الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5463 [ ص: 608 ] 11 - باب: جبة الصوف في الغزو

                                                                                                                                                                                                                              5799 - حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكرياء، عن عامر، عن عروة بن المغيرة، عن أبيه - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في سفر فقال: "أمعك ماء؟". قلت: نعم. فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: "دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين" فمسح عليهما. [انظر: 182 - مسلم: 274 - فتح 10 \ 268]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وذكره بلفظ: (وعليه جبة من صوف)

                                                                                                                                                                                                                              وهو دال على أن ثياب السلف في الحضر لم تكن أكمامها بضيق أكمام هذه الجبة التي لبسها - صلى الله عليه وسلم - في سفره; لأنه لم يذكر عنه أنه أخرج يديه من تحت ثيابه لضيق كميه إلا في هذه المرة، ولو فعله في الحضر دائما لنقل.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دلالة أيضا أن ثياب السفر أخصر من ثياب الحضر، فلباس الأكمام الضيقة والواسعة جائز إذا لم يكن مثل سعة أكمام النساء; لأن زي النساء لا يجوز للرجال استعماله على ما سنعلمه في كتاب الزينة، وقد كره مالك للرجل سعة الثوب وطوله، وأما لباس الصوف فجائز في الغزو وغيره إذا لم يرد لابسه به الشهرة.

                                                                                                                                                                                                                              وسئل مالك عن لباس الصوف الغليظ، فقال: لا خير فيه في الشهرة، ولو كان يلبسه تارة وينزعه أخرى لرجوت، وأما المواظبة حتى يعرف به ويشتهر فلا أحبه، ومن غليظ القطن ما هو في ثمنه وأبعد من الشهرة منه، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للرجل:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 609 ] "ليرى عليك مالك"
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك أيضا: لا أكره لباس الصوف لمن لم يجد غيره، وأكرهه لمن يجد غيره; ولأن يخفي عمله أحب إلي، وكذلك كان شأن من مضى. قيل: إنما يريد التواضع بلبسه، قيل: يجد من القطن بثمن الصوف .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              شامية - بتشديد الياء وتخفيفها - قال في "الصحاح": مرأة شأمية، وشآمية مخففة الياء . والإداوة: المطهرة.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم أهويت لأنزع خفيه)، أي: أومأت .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فإني أدخلتهما طاهرتين")، يريد بالطهر: الوضوء، وهذا مشهور مذهب مالك جواز المسح على الخف في السفر والحضر، وله قول آخر: اختصاصه بالسفر، وثالث: المنع مطلقا، وعنه غير ذلك .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية