الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الباب الأول ( في أركانها وهي أربعة ) : الركن الأول : المعير ، وفي الجواهر لا يعتبر فيه إلا كونه مالكا للمنفعة غير محجور عليه في التبرع ; لأن العارية تبرع فتصح من المستعير والمستأجر ، وفي [ ص: 198 ] الكتاب لا يعير العبد إلا بإذن سيده .

                                                                                                                الركن الثاني : المستعير ، وفي الجواهر لا يعتبر فيه إلا كونه أهلا للتبرع عليه .

                                                                                                                الركن الثالث : المستعار ، وفي الجواهر له شرطان : الشرط الأول أن يكون منتفعا به بعد بقائه ، فلا معنى لإعارة الأطعمة ونحوها من المكيلات والموزونات ، بل ذلك قرض لا يردها إلا بعد استهلاكها ، وكذلك الدنانير والدراهم ، قال اللخمي : إن أعارها لصيرفي ليقصده لزبون أو لمدبان لتقف عنه المطالب فتظن به المالية يضمن ، إلا أن تقوم البينة على تلفها أو ردها ، وإن استعارها ليتصرف فيها ضمنها بالقرض ; لأنها قرض إلا أن يقول أتجر فيها ولك الربح ولا خسارة عليك ، فهو كما قال وفاء بالشرط إذا ادعى الخسارة فيما يشبه ، ولا يصدق في الضياع إلا أن تقول وأنت مصدق في الضياع ، أو يقول هي على حكم القراض إذا لم يكن ربح ، قاله ابن القاسم وأشهب ، وقال سحنون : يضمن الخسارة ، وعلى هذا يجري الجواب في عارية المكيل والموزون ، وفي الكتاب : من استعار دنانير أو فلوسا فهو سلف مضمون ، ومن حبس عليك مائة دينار لتتجر بها أمدا معلوما ضمنت نقصها كالسلف ، وإن شئت قبلتها أو رددتها فترجع ميراثا .

                                                                                                                الشرط الثاني : أن تكون المنفعة مباحة شرعا ، فلا تعار الجواري للاستمتاع ، ويكره استخدام الإماء ، إلا من المحرم ، أو النسوان أو غير البالغ الإصابة من الصبيان ، ويمتنع استخدام أحد الأبوين بالعارية ، بل تكون منافعهما لهما حينئذ دون [ ص: 199 ] ولدهما ، ولا يعار العبد المسلم من الكافر ، قال اللخمي : من صح ملكه من الأقارب جاز استخدامه ، ومن لا فلا ، ومنافعه له دون من وهبت له . وتجوز عارية الأمة لمن حرمت عليه بوطء القرابة وللأجنبي المأمون المتأهل ، فإن فقدت الأمانة أو التأهل امتنع لقوله عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينهما محرم . فإن نزل مضى وبيعت الخدمة من مأمون أو امرأة إن لم يقصد المعير عين المستعير ، ولو علم أن أمته تسلم لغيره لم يعرها ، فله الرجوع فيها . الركن الرابع : ما تقع به العارية من قول أو فعل ، وفي الجواهر هو كل ما دل على نقل المنفعة بغير عوض ، قال اللخمي : وثم هبات متقاربة اللفظ مختلفة المعنى حمل بعضها على هبة الرقاب ، وبعضها على هبة المنافع ، فيحمل قوله أسكنتك وأخدمتك وأعمرتك على منافع المخدم والمسكن ، ويحمل كسوتك هذا الثوب ، وحملتك على هذا البعير أو الفرس على هبة الرقاب . وفي الجواهر إذا قال : أعني بغلامك يوما وأعينك بغلامي يوما ليس بعارية بل إجارة ، وأحد العملين أجرة الآخر ، واغسل هذا الثوب استعارة لبدنه ، وإن كان شأنه الأجرة في عمله استحقها .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية