الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في عيوب الرجال وإذا تبين أن أحد الزوجين عبد، أو أن الزوجة نصرانية، وإذا ظهر بكل واحد من الزوجين عيب، وإذا ادعى ذلك أحدهما على الآخر فأنكره، وكان مما يخفى

                                                                                                                                                                                        يرد الزوج بالجنون والجذام وداء الفرج، واختلف في البرص.

                                                                                                                                                                                        فأما الجنون فيرد من قليله وكثيره، كان مطبقا أو يغيب رأس كل هلال ويسلم فيما بين ذلك، وكذلك إذا حدث بعد العقد وقبل الدخول.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا حدث بعد الدخول، فقال مالك : إن كان يعفيها من نفسه، ولا يرهقها بسوء، ولا تخاف منه في خلواته، فلا خيار لها . وقال أشهب : إن لم تخف منه فلا خيار لها، وإن كان لا يفيق. يريد: إذا كان يحتاج إليها، وإلا فرق بينهما; لأن في بقائها ضررا عليها من غير منفعة له .

                                                                                                                                                                                        وكذلك الجذام يرد من قديمه و قليله وكثيره. وقال ابن وهب في "العتبية": "إذا كان جذاما لا شك فيه رد، وإن لم يكن فاحشا، ولا مؤذيا; لأنه لا يؤمن من زيادته. وإن شك فيه; لم يفرق بينهما ، وكذلك إذا حدث بعد [ ص: 1901 ] العقد، وقبل الدخول، يفرق من قليله، بمنزلة ما لو كان قبل العقد. وإن حدث بعد الدخول; فرق من كثيره، ولم يفرق من قليله، حتى يتنامى، ويتفاحش; لأنه قد اطلع عليها، فلا يعجل بالفراق. وإذا لم يدخل ولم يطلع عليها - لم يمكن من كشفها في شيء مآله إلى الفراق.

                                                                                                                                                                                        واختلف في البرص قديمه وحديثه. فروى ابن القاسم عن مالك : أنه قال: يرد به، إذا كان قبل التزويج. يريد قليلا كان أو كثيرا. وذكر عن أشهب في الثالث من "كتاب محمد ": لا يفرق بينهما، وإن غرها.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب : ما كان به قبل العقد; يرد به وإن لم يكن فاحشا، وما حدث به بعد العقد; فلا خيار لها فيه إلا أن يكون فاحشا مؤذيا.

                                                                                                                                                                                        وقاله مالك وأصحابه، وقال في "كتاب بيع الخيار": لا يفرق بينهما، إذا حدث بعد الدخول. قال ابن القاسم في "كتاب محمد ": وإن كان شديدا. وروى عنه عيسى أنه قال: يرد إذا كان ضررا لا يصبر عليه، وإن كان خفيفا; لم يرد به. وهو أحسن. فيرد بما كان قبل وإن كان يسيرا; لأنه يتنامى، فلا يمكن من الاطلاع عليها، فيما مآله إلى الفراق.

                                                                                                                                                                                        وقد تقدم القول أنه يرد بالجذام والبرص; لأنه يخشى أن يحدث ذلك بالآخر; لأنه لا تطيب نفس الواطئ والموطوءة، وقل ما يسلم ولدهما، فساوى بين الرجل في الرد والمرأة بقوله في الموطوءة، وتعليله فيما يخاف حدوثه في الآخر، وفي الولد. وهذا هو الصحيح وقبل الدخول وبعده سواء. [ ص: 1902 ]

                                                                                                                                                                                        وأما الجنون، فإن كان صرعا، وكان مثل ذلك ترتاع له المرأة، وينزل بها ما يشق مشاهدته، كان لها أن تقوم بالفراق، وإن لم يكن يؤذيها.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية