الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب ما جاء في الختان

                                                                      5271 حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي قالا حدثنا مروان حدثنا محمد بن حسان قال عبد الوهاب الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية أن امرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم لا تنهكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل قال أبو داود روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده قال أبو داود ليس هو بالقوي وقد روي مرسلا قال أبو داود ومحمد بن حسان مجهول وهذا الحديث ضعيف

                                                                      التالي السابق


                                                                      أخبرنا مروان هو ابن معاوية ( أخبرنا محمد بن حسان الكوفي قال عبد الوهاب الأشجعي في روايته ( الكوفي أي محمد بن حسان الكوفي وأما سليمان فقال محمد بن حسان ولم يذكر الكوفي

                                                                      [ ص: 145 ] وفي بعض النسخ هذا الإسناد هكذا أنبأنا محمد بن حسان أخبرنا عبد الوهاب الكوفي وهو غلط لا يصح

                                                                      قال الحافظ المزي في الأطراف : هذا الحديث أخرجه أبو داود في الأدب عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعبد الوهاب بن عبد الرحيم الأشجعي ، كلاهما عن مروان بن معاوية عن محمد بن حسان الكوفي عن عبد الملك بن عمير عن نسيبة أم عطية الأنصارية انتهى

                                                                      كانت تختن ختن الخاتن الصبي ختنا من باب ضرب والاسم الختان بالكسر كذا في المصباح وفي المجمع : الختان موضع القطع من ذكر الغلام وفرج الجارية وأما في الغلام فقطع جميع الجلد التي تغطي الحشفة وفي الجارية قطع أدنى جزء من جلدة أعلى الفرج انتهى وفي فتح الباري الختان اسم لفعل الخاتن ولموضع الختان أيضا - انتهى

                                                                      لا تنهكي يقال نهكت الشيء نهكا بالغت فيه من باب نفع وتعب وأنهكه بالألف لغة كذا في المصباح وفي النهاية معنى لا تنهكي أي لا تبالغي في استقصاء الختان وفي النهاية في مادة شمم : وفي حديث أم عطية : أشمي ولا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك المبالغة فيه ، أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها انتهى

                                                                      وفي المجمع الإشمام أخذ اليسير في ختان المرأة والنهك المبالغة في القطع . انتهى

                                                                      قال النووي : ويسمى ختان الرجل إعذارا بذال معجمة وختان المرأة خفضا بخاء وضاد معجمتين ، انتهى وفي فتح الباري قال الماوردي : ختان الذكر قطع الجلدة التي تغطي الحشفة والمستحب أن تستوعب من أصلها عند أول الحشفة وأقل ما يجزئ أن لا يبقى منها ما يتغشى به شيء من الحشفة

                                                                      وقال إمام الحرمين المستحق في الرجال قطع القلفة وهي الجلدة التي تغطي الحشفة حتى لا يبقى من الجلدة شيء متدل وقال ابن الصباغ : حتى تنكشف جميع [ ص: 146 ] الحشفة ويتأدى الواجب بقطع شيء مما فوق الحشفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها قال النووي : وهو شاذ والأول هو المعتمد

                                                                      قال الإمام والمستحق من ختان المرأة ما ينطلق عليه الاسم

                                                                      قال الماوردي : ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها فوق مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله

                                                                      ثم ذكر الحافظ حديث أم عطية الذي في الباب ثم قال قال أبو داود : إنه ليس بالقوي

                                                                      قلت وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عند أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحاك بن قيس عند البيهقي .

                                                                      واختلف في النساء هل يخفضن عموما أو يفرق بين نساء المشرق فيخفضن ونساء المغرب فلا يخفضن لعدم الفضلة المشروع قطعها منهن بخلاف نساء المشرق قال فمن قال إن من ولد مختونا استحب إمرار الموسى على الموضع امتثالا للأمر قال في حق المرأة كذلك ومن لا فلا

                                                                      وقد ذهب إلى وجوب الختان الشافعي وجمهور أصحابه وقال به من القدماء عطاء وعن أحمد وبعض المالكية يجب وعن أبي حنيفة واجب وليس بفرض وعنه سنة يأثم بتركه وفي وجه للشافعية لا يجب في حق النساء وهو الذي أورده صاحب المغني عن أحمد وذهب أكثر العلماء وبعض الشافعية إلى أنه ليس بواجب

                                                                      ومن حجتهم حديث شداد بن أوس رفعه " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد فيه حجاج بن أرطاة ولا يحتج به وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس وسعيد بن بشر مختلف فيه وأخرجه أبو الشيخ والبيهقي من وجه آخر عن ابن عباس . وأخرجه البيهقي أيضا من حديث أبي أيوب . انتهى كلام الحافظ من الفتح مختصرا ملخصا

                                                                      وقال الحافظ في تلخيص الحبير حديث الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء أخرجه أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطاة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه به والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه فتارة رواه كذا وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل والطبراني في الكبير [ ص: 147 ] وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب أخرجه أحمد وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكي عن أبيه أنه خطأ من حجاج ، أو من الراوي عنه عبد الواحد بن زياد . وقال البيهقي : هو ضعيف منقطع وقال ابن عبد البر في التمهيد هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطاة وليس ممن يحتج به

                                                                      قلت وله طريق أخرى من غير رواية حجاج فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعا وضعفه البيهقي في السنن وقال في المعرفة لا يصح رفعه وهو من رواية الوليد عن ابن ثوبان عن ابن عجلان عن عكرمة عنه ورواته موثقون إلا أن فيه تدليسا

                                                                      وقوله صلى الله عليه وسلم لأم عطية وكانت خافضة أشمي ولا تنهكي أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أسيد عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس : كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية تخفض الجواري فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظى عند الزوج ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من هذا الوجه عن عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به

                                                                      وقال المفضل العلائي : سألت ابن معين عن هذا الحديث فقال الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري . قلت أورده الحاكم وأبو نعيم في ترجمة الفهري وقد اختلف فيه على عبد الملك بن عمير فقيل عنه كذا وقيل عنه عن عطية القرظي قال كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية فذكره رواه أبو نعيم في المعرفة وقيل عنه عن أم عطية رواه أبو داود في السنن وأعله بمحمد بن حسان فقال إنه مجهول ضعيف انتهى كلامه

                                                                      وقال المناوي في فتح القدير شرح الجامع الصغير حديث الختان سنة للرجال مكرمة للنساء أخرجه أحمد في مسنده من حديث الحجاج بن أرطاة عن والد أبي المليح .

                                                                      قال الذهبي : وحجاج ضعيف لا يحتج به وأخرجه الطبراني في الكبير عن شداد بن أوس وعن ابن عباس رضي الله عنه قال السيوطي : إسناده حسن وقال البيهقي : ضعيف منقطع وأقره الذهبي . وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف وقال ابن حجر فيه : الحجاج بن أرطأة [ ص: 148 ] مدلس وقد اضطرب فيه وقال أبو حاتم : هذا خطأ من حجاج أو الراوي عنه انتهى كلامه

                                                                      وقال المناوي في التيسير والحديث إسناده ضعيف خلافا لقول السيوطي : حسن وقد أخذ بظاهره أبو حنيفة ومالك فقالا سنة مطلقا وقال أحمد : واجب للذكر سنة للأنثى وأوجبه الشافعي عليهما ، انتهى

                                                                      وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن الحاج المالكي في المدخل والسنة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه واختلف في حقهن هل يخفضن مطلقا أو يفرق بين أهل المشرق وأهل المغرب فأهل المشرق يؤمرن به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرن به لعدمها عندهن انتهى

                                                                      وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أم المهاجر قالت سبيت في جواري من الروم فعرض علينا عثمان الإسلام فلم يسلم منا غيري وغير أخرى فقال عثمان : اذهبوا فاخفضوهما وطهروهما وفي إسناده مجهول

                                                                      فإن ذلك أي عدم المبالغة في القطع وإبقاء بعض النواة والغدة على فرجها أحظى للمرأة أي أنفع لها وألذ وأحب إلى البعل أي إلى الزوج وذلك لأن الجلد الذي بين جانبي الفرج والغدة التي هناك وهي النواة إذا دلكا دلكا ملائما بالإصبع أو بالحك من الذكر تلتذ كمال اللذة حتى لا تملك نفسها وتنزل بلا جماع فإن هذا الموضع كثير الأعصاب فيكون حسه أقوى ولذة الحكة هناك أشد ولهذا أمرت المرأة في ختانها لإبقاء بعض النواة والغدة لتلتذ بها بالحك ويحبها زوجها بالملاعبة معها ليتحرك مني المرأة ويذوب لأن منيها بارد بطيء الحركة فإذا ذاب وتحرك قبل الجماع بسبب الملاعبة يسرع إنزالها فيوافق إنزالها إنزال الرجل فإن مني الرجل لحرارته أسرع إنزالا وهذا كله سبب لازدياد المحبة والألفة بين الزوج والزوجة وهذا الذي ذكرته هو مصرح في كتب الطب والله أعلم

                                                                      قال أبو داود روي بصيغة المجهول ، أي هذا الحديث عن عبيد الله بن عمرو ابن أبي الوليد الأسدي الرقي ثقة عن عبد الملك بن عمير الكوفي ثقة بمعناه وإسناده أي بمعنى حديث محمد بن حسان وإسناده ، فعبيد الله بن عمرو الرقي وعبد الملك كلاهما [ ص: 149 ] من الثقات لكن اختلف عليهما في هذا الحديث اختلافا شديدا فقيل عن عبيد الله عن زيد بن أبي أسيد وقيل عنه عن رجل من أهل الكوفة ثم اختلف على عبد الملك بن عمير فقيل عنه عن أم عطية وقيل عنه عن الضحاك بن قيس وقيل عنه عن عطية القرظي كما تقدم بيانه آنفا وهذا الاضطراب موجب لضعف الحديث

                                                                      قال أبو داود : وليس هو أي الحديث ( بالقوي ) لأجل الاضطراب ولضعف الراوي وهو محمد بن حسان الكوفي وقد روي هذا الحديث ( مرسلا ) كما رواه الحاكم في المستدرك والطبراني وأبو نعيم والبيهقي عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس : كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف آنفا من كلام الحافظ . ومن قوله قد روي مرسلا إلى آخره قد وجد في أكثر النسخ وذكره أيضا المزي في الأطراف ( محمد بن حسان مجهول ) وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي وخالفهم الحافظ عبد الغني بن سعيد فقال هو محمد بن سعيد المصلوب على الزندقة أحد الضعفاء والمتروكين وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك كتاب له

                                                                      وله طريقان آخران رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر ، ورواه البزار من حديث نافع كلاهما عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ : يا نساء الأنصار اختضبن غمسا واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن " لفظ البزار وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف

                                                                      وفي إسناد ابن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل .

                                                                      ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضا عن أبي خليفة عن محمد بن سلام الجمحي عن زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت عن أنس نحو حديث أبي داود . قال ابن عدي : تفرد به زائدة عن ثابت وقال الطبراني : تفرد به محمد بن سلام وقال ثعلب : رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث وقد قال البخاري في زائدة : إنه منكر الحديث كذا في التلخيص وهذا الحديث ضعيف والأمر كما قال أبو [ ص: 150 ] داود وحديث ختان المرأة روي من وجوه كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت

                                                                      وقال ابن المنذر : ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع

                                                                      وقال ابن عبد البر في التمهيد والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال انتهى والله أعلم والحديث سكت عنه المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية