الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5487 [ ص: 652 ] 23 - باب: ثياب الخضر

                                                                                                                                                                                                                              5825 - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب، أخبرنا أيوب، عن عكرمة، أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير القرظي، قالت عائشة: وعليها خمار أخضر. فشكت إليها، وأرتها خضرة بجلدها، فلما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والنساء ينصر بعضهن بعضا - قالت عائشة: ما رأيت مثل ما يلقى المؤمنات، لجلدها أشد خضرة من ثوبها. قال: وسمع أنها قد أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء ومعه ابنان له من غيرها. قالت: والله ما لي إليه من ذنب، إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه. وأخذت هدبة من ثوبها، فقال: كذبت والله يا رسول الله، إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشز تريد رفاعة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فإن كان ذلك لم تحلي له - أو لم تصلحي له - حتى يذوق من عسيلتك". قال: وأبصر معه ابنين فقال: "بنوك هؤلاء؟". قال: نعم. قال: هذا الذي تزعمين ما تزعمين؟! فوالله لهم أشبه به من الغراب بالغراب". [انظر: 2639 - مسلم: 1433 - فتح 10 \ 281]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه عن عكرمة: أن رفاعة طلق امرأته، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير، الحديث بطوله. وسلف في الطلاق وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وموضع الحاجة منه قول عائشة - رضي الله عنها - : (وعليها خمار أخضر) والثياب الخضر لباس أهل الجنة كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى: ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق وكفى بهذا شرفا لها وترغيبا فيها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 653 ] وقال هشام بن عروة: رأيت على عبد الله بن الزبير مطرفا من خز أخضر ألبسته إياه عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود حديثا عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأيت (عليه بردين أخضرين) .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن للرجل ضرب زوجته عند نشوزها عليه وإن أثر ضربه في جلدها، ولا حرج عليه في ذلك، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لجلدها أشد خضرة من ثوبها، ولم ينكر عليها؟

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن للنساء أن يطالبن أزواجهن عند الإمام بقلة الوطء، وأن يعرضن بذلك تعريضا بينا كالصريح، ولا عار عليهن في ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن للزوج إذا ادعي عليه بذلك أن يخبر بخلاف ويعرب عن نفسه، ألا ترى قوله (لرسول الله) - صلى الله عليه وسلم - : والله إني لأنفضها نفض الأديم. وهذه الكناية من الفصاحة العجيبة، وهي أبلغ في المعنى من الحقيقة.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: الحكم بالدليل؛ لقوله في بنيه: "لهم أشبه به من الغراب بالغراب". فاستدل بشبههما له على كذبها ودعواها.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الزبير بفتح الزاي: قتل مع قومه يوم بني قريظة كافرا بعد أن سأل فيه عثمان فترك، فقال: كيف يعيش المرء دون ولده؟ فذكر ذلك عثمان

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 654 ] لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: تركت ولده، فأخبره، فقال: كيف يعيش دون ماله؟ فذكره عثمان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: تركت ماله، فأخبره فقال: ما فعل بفلان وفلان؟ قيل: قتلوا. قال: فعلت الذي إليك، لا خير لي في الحياة. فقتل كافرا .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قولها: (قالت: والله ما إليه من ذنب إلا أن ما معه ليس بأغنى عني من هذه، وأخذت هدبة من جلبابها) يحتمل أن تريد: ما ينقم مني إلا أنه أعرض عني. ويحتمل أن تريد ما أنقم عليه ذلك، فإن كان جلدني ما أنقم عليه إلا إعراضه عني. قاله الداودي ، وزاد: يحتمل تشبيهها بالهدبة انتشاره وأنه لا يتحرك، أو أنه رقيق، فشبهته بالهدبة على التقليل والمبالغة، ويحتمل أن يكون رأت من رفاعة من الجماع ما يباعد من فعله هذا فوصفته بهذا; ولهذا يستحب نكاح الأبكار، لأنها تظن الرجال سواء، والثيب تعدم من الضعيف ما علمته من القوي وإن كان الثاني أقوى، فقد تقول: ثم من هو أقوى منه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 655 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (أنفضها نفض الأديم)، فقد يكون بلغ جهده، وهو عندها قليل.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("وإن كان ذلك لم تحلي له - أو - لم تصلحي له") كذا في الأصول. وادعى ابن التين أن في سائر الأمهات "تحلين" وصوابه: تحلي، وأخبرها بذلك لعلها ترضى بالمقام.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("بنوك هؤلاء؟ " قال: نعم). عبر عن التثنية بالجمع، وذلك جائز. قال تعالى: إذ تسوروا المحراب وهما اثنان.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("لهم أشبه به من الغراب بالغراب") فيه دليل على الحكم بالقافة وهو الدليل كما أسلفناه.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنه لم يقتص لها (منه) في الضرب; لقوله تعالى: واضربوهن أي: في شأنها، ولم يذكر أنه قضى في الأعراض بشيء، فلعله علم أن الكاذب منهما يرجع عن قوله إلى الحق.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية