الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  ( باب أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود ببيع أرضيهم ودمنهم حين أجلاهم فيه المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب في بيان أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - اليهود في بيع أرضيهم ، كذا وقع في رواية أبي ذر بفتح الراء وكسر الضاد المعجمة ، وفيه شذوذان ، أحدهما أنه جمع سلامة وليس من العقلاء ، والآخر أنه لم يبق مفرده سالما لتحريك الراء .

                                                                                                                                                                                  قوله : حين أجلاهم ، أي : من المدينة . قوله : فيه المقبري ، أي : في أمره - صلى الله عليه وسلم - اليهود حديث سعيد المقبري ، بفتح الباء وضمها ، وجاء الكسر أيضا ، وأشار البخاري بهذا إلى ما أخرجه في الجهاد في باب إخراج اليهود من جزيرة العرب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : بينا نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : انطلقوا إلى اليهود ، وفيه فقال : إني أريد أن أجليكم، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه ، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله ، قال ابن إسحاق : فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم لا الحلقة ، فاحتملوا ذلك وخرجوا إلى خيبر ، وخلوا الأموال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكانت له خاصة يضعها حيث يشاء ، فقسمها سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المهاجرين ، وهؤلاء اليهود الذين أجلاهم هم بنو النضير ، وذلك أنهم أرادوا الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأن يلقوا عليه حجرا ، فأوحى الله تعالى إليه بذلك فأمره بإجلائهم ، وأمرهم أن يسيروا حيث شاءوا ، فلما سمع المنافقون بذلك بعثوا إلى بني النضير : اثبتوا وتمتعوا ، فإنا لم نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن خرجتم خرجنا معكم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، فسألوا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، فأجابهم بما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : هذا يعارض حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة ; لأن فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرهم ببيع أرضيهم ، قلت : أمره بذلك كان قبل أن يكونوا حربا ، ثم أطلعه الله على الغدر منهم ، وكان قبل ذلك أمرهم ببيع أرضيهم وإجلائهم ، فلم يفعلوا لأجل قول المنافقين لهم : اثبتوا ، فعزموا على مقاتلته - صلى الله عليه وسلم - فصاروا حربا ، فحلت بذلك دماؤهم وأموالهم ، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في السلاح وحاصرهم ، فلما يئسوا من عون المنافقين ألقى الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان عرض عليهم قبل ذلك ، فلم يبح لهم بيع الأرض ، وقاضاهم أن يجليهم ويحملوا ما استقلت به الإبل على أن يكف عن دمائهم وأموالهم ، فجلوا عن ديارهم وكفى الله المؤمنين القتال ، وكانت أرضهم وأموالهم مما لم يوجف عليها بقتال ، فصارت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث يشاء .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن إسحاق : ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان أسلما على أموالهما فأحرزاها ، قال : ونزلت في بني النضير سورة الحشر إلى قوله تعالى : ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء الآية ، وقال الكرماني : فإن قلت : لم عبر عما رواه بهذه العبارة ولم يذكر [ ص: 44 ] الحديث بعينه ؟ قلت : لأن الحديث لم يثبت على شرطه ، انتهى . ورد عليه بعضهم بأنه غفلة منه ; لأنه غفل عن الإشارة إلى هذا الحديث ، غاية ما في الباب أنه اكتفى هنا بالإشارة إليه لاتحاد مخرجه عنده ، ففر من تكراره على صورته بغير فائدة زائدة ، كما هو الغالب من عادته ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : التكرار حاصل على ما لا يخفى ، مع أن ذكر هذا لا دخل له في كتاب البيوع ، ولهذا سقط هذا في بعض النسخ .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية