الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن قوم موسى أمة الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج الفريابي ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : قال موسى : يا رب أجد أمة إنجيلهم في قلوبهم . قال : تلك أمة تكون بعدك ، أمة أحمد ، قال : يا رب ، أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارات لما بينهن . قال : تلك أمة تكون بعدك ، أمة أحمد ، قال : يا رب ، أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون . قال : تلك أمة تكون بعدك ، أمة أحمد ، قال : يا رب اجعلني من أمة أحمد ، فأنزل الله تعالى كهيئة المرضية لموسى : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي ليلى الكندي قال : قرأ عبد الله بن مسعود : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون . فقال [ ص: 629 ] رجل : ما أحب أني منهم ، فقال عبد الله : لم ؟ ما يزيد صالحوكم على أن يكونوا مثلهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن ابن جريج في قوله : ومن قوم موسى أمة الآية ، قال : بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا ، وكانوا اثني عشر سبطا ، تبرأ سبط منهم مما صنعوا ، واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ، ففتح الله لهم نفقا في الأرض ، فساروا فيه [176ظ] حتى خرجوا من وراء الصين ، فهم هنالك حنفاء مسلمون ، يستقبلون قبلتنا ، قال ابن جريج : قال ابن عباس : فذلك قوله : وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا [الإسراء : 104] ووعد الآخرة عيسى ابن مريم ، قال ابن عباس : ساروا في السرب سنة ونصفا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن علي بن أبي طالب قال : افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة ، وافترقت النصارى بعد عيسى على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة ، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة ، فأما اليهود فإن الله يقول : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فهذه التي تنجو ، وأما النصارى فإن الله يقول : منهم أمة مقتصدة [المائدة : 66] فهذه التي تنجو ، [ ص: 630 ] وأما نحن فيقول وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [الأعراف : 181] فهذه التي تنجو من هذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن مقاتل قال : إن مما فضل الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ، أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين ، وذلك أن بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس ، دعوا ربهم وهم بالأرض المقدسة فقالوا : اللهم أخرجنا من بين أظهرهم . فاستجاب لهم ، فجعل لهم سربا في الأرض فدخلوا فيه ، وجعل معهم نهرا يجري ، وجعل لهم مصباحا من نور بين أيديهم ، فساروا فيه سنة ونصفا ، وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الذي هم فيه ، فأخرجهم الله إلى أرض تجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين بها ، ليست فيها ذنوب ولا معاص ، فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ومعه جبريل ، فآمنوا به وصدقوه ، وعلمهم الصلاة ، وقالوا : إن موسى قد بشرهم به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون قال : بينكم وبينهم نهر من سهل - يعني من رمل - يجري .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن صفوان بن عمرو قال : هم الذين قال الله : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق يعني : سبطان من أسباط بني [ ص: 631 ] إسرائيل ، يوم الملحمة العظمى ينصرون الإسلام وأهله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الشعبي قال : إن لله عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس ، لا يرون أن الله عصاه مخلوق ، رضراضهم الدر والياقوت ، وجبالهم الذهب والفضة ، لا يزرعون ولا يحصدون ولا يعملون عملا ، لهم شجر على أبوابهم لها أوراق عراض ، هي لبوسهم ، ولهم شجر على أبوابهم لها ثمر ، فمنها يأكلون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية