الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما التوبة من التوبة فهي من المجملات التي يراد بها حق وباطل ، ويكون مراد المتكلم بها حقا ، فيطلقه من غير تمييز .

فإن التوبة من أعظم الحسنات ، والتوبة من الحسنات من أعظم السيئات ، وأقبح الجنايات ، بل هي كفر ، إن أخذت على ظاهرها ، ولا فرق بين التوبة من التوبة والتوبة من الإسلام والإيمان ، فهل يسوغ أن يقال بالتوبة من الإيمان ؟ .

ولكن مرادهم أن يتوب من رؤية التوبة ، فإنها إنما حصلت له بمنة الله ومشيئته ، ولو خلي ونفسه لم تسمح بها البتة ، فإذا رآها وشهد صدورها منه ووقوعها به ، وغفل عن منة الله عليه تاب من هذه الرؤية والغفلة ، ولكن هذه الرؤية والغفلة ليست هي [ ص: 221 ] التوبة ، ولا جزءا منها ، ولا شرطا لها ، بل هي جناية أخرى عرضت له بعد التوبة ، فيتوب من هذه الجناية ، كما تاب من الجناية الأولى ، فما تاب إلا من ذنب ، أولا وآخرا ، فكيف يقال : يتوب من التوبة ؟ .

هذا كلام غير معقول ، ولا هو صحيح في نفسه ، بل قد يكون في التوبة علة ونقص ، وآفة تمنع كمالها ، وقد يشعر صاحبها بذلك وقد لا يشعر به ، فيتوب من نقصان التوبة ، وعدم توفيتها حقها .

وهذا أيضا ليس من التوبة ، وإنما هو توبة من عدم التوبة ، فإن القدر الموجود منها طاعة لا يتاب منها ، والقدر المفقود هو الذي يحتاج أن يتوب منه .

فالتوبة من التوبة إنما تعقل على أحد هذين الوجهين .

نعم ، هاهنا وجه ثالث لطيف جدا ، وهو أن من حصل له مقام أنس بالله ، وصفا وقته مع الله ، بحيث يكون إقباله على الله ، واشتغاله بذكر آلائه وأسمائه وصفاته أنفع شيء له ، حتى نزل عن هذه الحالة ، واشتغل بالتوبة من جناية سالفة قد تاب منها ، وطالع الجناية واشتغل بها عن الله ، فهذا نقص ينبغي له أن يتوب إلى الله منه ، وهو توبة من هذه التوبة ، لأنه نزول من الصفاء إلى الجفاء ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية