الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 414 ] الباب الرابع

                                                                                                                                                                        في الإقرار بالنسب

                                                                                                                                                                        يشترط في المقر بالنسب ، أن يكون بالصفات المعتبرة في سائر المقرين كما سبق . ثم لا يخلو ، إما أن يلحق النسب بنفسه ، وإما بغيره .

                                                                                                                                                                        القسم الأول : أن يلحقه بنفسه ، فيشترط فيه أمور .

                                                                                                                                                                        الأول : أن لا يكذبه الحس ، فيكون ما يدعيه ممكنا . فلو كان في سن لا يمكن أن يكون ولدا للمستلحق ، فلا اعتبار بإقراره . فلو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي ، وادعاه مسلم ، لحقه إن احتمل أنه خرج إليها ، أو أنها قدمت إليه قبل ذلك ، وإلا لم يلحقه .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن لا يكون المقر به مشهور النسب من غيره ، سواء صدقه المقر به أم كذبه .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن يصدقه المقر به إن كان معتبر التصديق . فإن استلحق بالغا فلم يصدقه ، لم يثبت النسب إلا ببينة ، فإن لم تكن بينة ، حلف المدعي ، فإن حلف سقطت دعواه ، وإن نكل ، حلف المدعي وثبت نسبه . وكذا لو قال رجل لرجل : أنت أبي ، فالقول قول المنكر بيمينه . أما إذا استلحق صغيرا ، فيثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات ، ويرث هو الصغير إن مات . وإن استلحق صغيرا ، فلما بلغ كذبه ، فوجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : يندفع النسب . وأصحهما : لا يندفع ؛ لأن النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة . فعلى هذا لو أراد المقر له تحليفه ، قال ابن الصباغ : ينبغي أن لا يمكن ؛ لأنه لو رجع ، لم يقبل ، فلا معنى لتحليفه . ولو استلحق مجنونا ، فأفاق وأنكر ، فعلى الوجهين . [ ص: 415 ] ولو استلحق صبيا بعد موته ، لحقه ، سواء كان له مال ، أم لا ، ولا ينظر إلى التهمة بطلب المال ، بل يرثه ؛ لأن أمر النسب مبني على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرد الإمكان ، حتى لو قتله ثم استلحقه بعد موته ، قبل منه وحكم بسقوط القصاص . وإن كان الميت بالغا ، فوجهان ؛ لأن شرط لحوق البالغ تصديقه ، ولا تصديق بعد الموت ، ولأن تأخيره ربما كان خوفا من إنكاره .

                                                                                                                                                                        والأكثرون على أنه يلحقه كالصغير . ومنعوا كون التصديق شرطا على الإطلاق ، بل هو شرط إذا كان المقر به أهلا للتصديق ، ولا اعتبار بالتهمة كما سبق . ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا ازدحم جماعة على الاستلحاق ، نظر ، إن كان المقر به بالغا ، ثبت نسبه ممن صدقه ، فإن كان صبيا ، لم يلحق بواحد منهما ، بل حكمه ما نذكره في باب اللقيط إن شاء الله تعالى . فإذا عدم زحمة الغير ، شرط رابع في الصغير . هذا كله إذا كان المقر به ذكرا حرا . فأما استلحاق المرأة والعبد ، فسيأتيان في باب اللقيط إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا استلحق عبد الغير ، أو معتقه ، لم يلحق إن كان صغيرا ، محافظة على حق الولاء للسيد ، بل يحتاج إلى البينة . وإن كان بالغا وصدقه ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        ولو استلحق عبدا في يده ، فإن لم يوجد الإمكان ، بأن كان أكبر سنا منه ، لغا قوله . وإن وجد ، فإن كان مجهول النسب ، لحقه إن كان صغيرا ، وحكم بعتقه . وكذا [ ص: 416 ] إن كان بالغا وصدقه . وإن كذبه ، لم يثبت النسب . وفي العتق ، وجهان .

                                                                                                                                                                        وكذا إن كان المقر به معروف النسب من غيره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        استلحق بالغا عاقلا ، فوافقه ، ثم رجعا ، قال ابن أبي هريرة : يسقط النسب ، كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له . وقال الشيخ أبو حامد : لا يسقط ؛ لأن النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق ، كالثابت بالفراش .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية