الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على غسل الميت والصلاة عليه وأنهما متلازمان وكانا مطلوبين لكل مسلم حاضر كله أو جله تقدم له استقرار حياة غير شهيد معترك شرع في الكلام على أضداد تلك الأوصاف استغناء بذكر أضدادها عنها وبنفي أحد المتلازمين وهو الغسل عن نفي الآخر وهو الصلاة وأطلق النفي من غير بيان لعين الحكم فقال ( ولا يغسل شهيد معترك ) أي يحرم تغسيله كما قال بعضهم وهو من قتل في قتال الحربيين ( فقط ) ولا حاجة له بعد قوله معترك ( ولو ) قتل ( ببلد الإسلام ) بأن غزا الحربيون المسلمين ( أو لم يقاتل ) [ ص: 426 ] بأن كان غافلا أو نائما أو قتله مسلم يظنه كافرا أو داسته الخيل أو رجع عليه سيفه أو سهمه أو تردى في بئر أو سقط من شاهق حال القتال ( وإن ) كان ( أجنب ) أي جنبا أو حائضا تعين عليها القتال بفجء عدو ( على الأحسن لا إن رفع حيا ) من المعركة ثم مات ( وإن أنفذت مقاتله ) المعتمد أن منفوذ المقاتل لا يغسل ولو رفع غير مغمور ( إلا المغمور ) مستثنى من قوله لا إن رفع حيا وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى أن مات ولم تنفذ مقاتله ( ودفن ) وجوبا ( بثيابه ) أي فيها المباحة ( إن سترته ) أي جميع جسده ويمنع أن يزاد عليها حينئذ ( وإلا ) تستره ( زيد ) عليها ما ستره فإن وجد عريانا ستر جميع جسده ( بخف ) الباء فيه بمعنى مع أي مع خف ( وقلنسوة ) يعني ما يتعمم عليه من عرقية وغيرها ، ( ومنطقة ) ما يشد به الوسط ( قل ثمنها وخاتم ) من فضة ( قل فصه ) أي قيمة فصه ( لا ) بآلة حرب من ( درع وسلاح ) كسيف

التالي السابق


( قوله استغناء ) حال من ضمير شرع أي حالة كونه مستغنيا بذكر أضداد تلك الأوصاف عنها لأن الضدين متلازمان فإذا حكم على أحدهما بالانتفاء كان الثاني ثابتا ولا محالة لأن الضدين لا يرتفعان ( قوله وبنفي ) عطف على قوله بذكر أي واستغناء بنفي إلخ ( قوله كما قال بعضهم ) ممن صرح بحرمة تغسيله ابن رشد في المقدمات ( قوله فقط ) احترز بذلك عن بقية الشهداء كالمبطون والغريق والحريق وميت الطاعون فإنه يغسل ( قوله ولا حاجة له بعد قوله معترك ) أي لخروج الشهداء المذكورين بقوله معترك بقي شيء آخر وهو أن قول المصنف ولا يغسل شهيد معترك يقتضي أن مقتول الحربي الكافر بغير معركة يغسل وهو قول ابن القاسم ومقتضى موضع من المدونة وروى ابن وهب لا يغسل شهيد كافر حربي بغير معركة لكونه له حكم من قتل بها وهو نص المدونة في محل آخر ، وتبعه سحنون وأصبغ وابن يونس وابن رشد ويحيى القرطبي فتمنى أنه لم يكن غسل أباه وصلى عليه حين قتله عدو كافر بقرطبة حين أغار عليها الكفار [ ص: 426 ] على غفلة والناس في إحراثهم وذكر شيخنا أن ما قاله ابن وهب هو المعتمد وقد اتفق سنة اثنتين وخمسين وألف أن أسرى نصارى بأيد مسلمين أغاروا على الإسكندرية في وقت صلاة الجمعة والمسلمون في صلاتها فقتلوا جماعة من المسلمين فأفتى عج بعدم غسلهم وعدم الصلاة عليهم ( قوله بأن كان غافلا ) أي حين القتال ( قوله أو قتله مسلم يظنه كافرا أو داسته الخيل ) فيه نظر إذ لم يذكر المواق وح في هاتين الصورتين إلا أنه يغسل ويصلى عليه فهو المعتمد ا هـ بن ( قوله وإن أجنب على الأحسن ) في المواق قال أشهب لا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه وإن كان جنبا وقاله أصبغ وابن الماجشون خلافا لسحنون ورجح ابن رشد ترك غسل الجنب ا هـ وصوابه لو قال ولو أجنب على الأظهر ا هـ بن ( قوله لا إن رفع حيا إلخ ) حاصل كلام المصنف أنه إذا رفع حيا فإنه يغسل ولو منفوذ المقاتل ما لم يكن مغمورا وهو المشهور من قول ابن القاسم كما نقله في التوضيح عن ابن بشير ونقل المواق عن ابن عرفة وابن يونس والمازري ما يوافقه ، وطريقة سحنون أنه متى رفع منفوذ المقاتل أو مغمورا فلا يغسل وهو الذي اقتصر عليه ابن عبد البر في الكافي وصاحب المعونة والمعول عليه الأول وقول سحنون ضعيف وقد اعترضه المواق بتغسيل عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة مع أنه رفع منفوذ المقاتل ثم نقل أي المواق عن ابن عرفة وابن يونس والمازري ما ظاهره يوافق المصنف وجعل قول سحنون مقابلا للمشهور فانظر قول الشارح تبعا لعبق أنه لا يغسل من أين أتى به انظر بن ( قوله بمعنى مع ) أي ودفن بثيابه حالة كونها مصاحبة لخف فدفنه بثيابه لازم وجعله بدلا من قوله بثيابه وكأنه قيل بخفه إلخ فاسد لأن المبدل منه في نية الطرح فيقضي أنه إنما يدفن بالخف والقلنسوة وما معهما فقط وليس كذلك ( قوله لا بآلة حرب ) أي لا يدفن مع آلة حرب




الخدمات العلمية