الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1159 ) مسألة : قال : ( ولا يكون الإمام أعلى من المأموم ) . المشهور في المذهب أنه يكره أن يكون الإمام أعلى من المأمومين ، سواء أراد تعليمهم الصلاة أو لم يرد ، وهو قول مالك ، والأوزاعي ، وأصحاب الرأي . وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكره ; فإن علي بن المديني قال : سألني أحمد عن حديث سهل بن سعد ، وقال : إنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس .

                                                                                                                                            فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث . وقال الشافعي : أختار للإمام الذي يعلم من خلفه أن يصلي على الشيء المرتفع ، فيراه من خلفه ، فيقتدون به ; لما روى سهل بن سعد ، قال { : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه - يعني المنبر - فكبر ، وكبر الناس وراءه ، ثم ركع وهو على المنبر ، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته ، ثم أقبل على الناس فقال : أيها الناس ، إنما فعلت هذا لتأتموا بي ، ولتعلموا صلاتي } . متفق عليه .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روي أن عمار بن ياسر كان بالمدائن ، فأقيمت الصلاة ، فتقدم عمار فقام على دكان ، والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة فأخذ بيده فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة ، فلما فرغ من صلاته ، قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله [ ص: 22 ] صلى الله عليه وسلم يقول { : إذا أم الرجل القوم ، فلا يقومن في مكان أرفع من مقامهم } ؟ قال عمار : فلذلك اتبعتك حين أخذت على يدي . وعن همام ، أن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان ، فأخذ أبو مسعود بقميصه ، فجبذه ، فلما فرغ من صلاته ، قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى ، فذكرت حين مددتني . رواهما أبو داود . وعن ابن مسعود ، أن رجلا تقدم يؤم بقوم على مكان ، فقام على دكان ، فنهاه ابن مسعود ، وقال للإمام : استو مع أصحابك .

                                                                                                                                            ولأنه يحتاج أن يقتدي بإمامه ، فينظر ركوعه وسجوده ، فإذا كان أعلى منه احتاج أن يرفع بصره إليه ليشاهده ، وذلك منهي عنه في الصلاة . فأما حديث سهل ، فالظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الدرجة السفلى ، لئلا يحتاج إلى عمل كبير في الصعود والنزول ، فيكون ارتفاعا يسيرا ، فلا بأس به ، جمعا بين الأخبار ، ويحتمل أن يختص ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه فعل شيئا ونهى عنه ، فيكون فعله له ونهيه لغيره ، ولذلك لا يستحب مثله لغير النبي صلى الله عليه وسلم . ولأن النبي لم يتم الصلاة على المنبر ، فإن سجوده وجلوسه إنما كان على الأرض ، بخلاف ما اختلفنا فيه . ( 1160 ) فصل : ولا بأس بالعلو اليسير ; لحديث سهل ، ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة ، وهذا يخص الكثير ، فعلى هذا يكون اليسير مثل درجة المنبر ونحوها ، لما ذكرنا في حديث سهل ، والله أعلم .

                                                                                                                                            ( 1161 ) فصل : فإن صلى الإمام في مكان أعلى من المأمومين ، فقال ابن حامد : لا تصح صلاتهم . وهو قول الأوزاعي ; لأن النهي يقتضي فساد المنهي عنه . وقال القاضي : لا تبطل وهو قول أصحاب الرأي ; لأن عمارا أتم صلاته ; ولو كانت فاسدة ، لاستأنفها ، ولأن النهي معلل بما يفضي إليه من رفع البصر في الصلاة ، وذلك لا يفسدها ، فسببه أولى . ( 1162 ) فصل : وإن كان مع الإمام من هو مساو له أو أعلى منه ، ومن هو أسفل منه اختصت الكراهة بمن هو أسفل منه ، لأن المعنى وجد فيهم دون غيرهم ، ويحتمل أن يتناول النهي الإمام ; لكونه منهيا عن القيام في مكان أعلى من مقامهم ، فعلى هذا الاحتمال تبطل صلاة الجميع عند من أبطل الصلاة بارتكاب النهي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية