الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ تهم ]

                                                          تهم : تهم الدهن واللحم تهما ، فهو تهم : تغير . وفيه تهمة أي : خبث ريح نحو الزهومة . والتهم : شدة الحر وسكون الريح . وتهامة : اسم مكة والنازل فيها متهم ، يجوز أن يكون اشتقاقها من هذا ، ويجوز أن يكون من الأول لأنها سفلت عن نجد فخبث ريحها ، وقيل : تهامة بلد ، والنسب إليه تهامي وتهام على غير قياس ، كأنهم بنوا الاسم على تهمي أو تهمي ، ثم عوضوا الألف قبل الطرف من إحدى الياءين اللاحقتين بعدها ، قال ابن جني : وهذا يدلك على أن الشيئين إذا اكتنفا الشيء من ناحيته تقاربت حالاهما وحالاه بهما ، ولأجله وبسببه ما ذهب قوم إلى أن حركة الحرف تحدث قبله ، وآخرون إلى أنها تحدث بعده ، وآخرون إلى أنها تحدث معه ، قال أبو علي : وذلك لغموض الأمر وشدة القرب ، وكذلك القول في شآم ويمان . قال ابن سيده : فإن قلت : فإن في تهامة ألفا فلم ذهبت في تهام إلى أن الألف عوض من إحدى ياءي الإضافة ؟ قيل : قال الخليل في هذا : إنهم كأنهم نسبوا إلى فعل أو فعل ، فكأنهم فكوا صيغة تهامة فأصاروها إلى تهم أو تهم ، ثم أضافوا إليه فقالوا تهام ، وإنما مثل الخليل بين فعل وفعل ولم يقطع بأحدهما لأنه قد جاء هذا العمل في هذين جميعا ، وهما الشام واليمن ، قال ابن جني : وهذا الترخيم الذي أشرف عليه الخليل ظنا قد جاء به السماع نصا ، أنشد أحمد بن يحيى :


                                                          أرقني الليلة ليل بالتهم يا لك برقا ، من يشمه لا ينم .



                                                          قال : فانظر إلى قوة تصور الخليل إلى أن هجم به الظن على اليقين ، ومن كسر التاء قال : تهامي ، هذا قول سيبويه . الجوهري : النسبة إلى تهامة تهامي وتهام ، إذا فتحت التاء لم تشدد كما قالوا : يمان وشآم ، إلا أن الألف في تهام من لفظها ، والألف في يمان وشآم عوض من ياءي النسبة ، قال ابن أحمر :


                                                          وكنا وهم كابني سبات تفرقا     سوى ، ثم كانا منجدا وتهاميا
                                                          وألقى التهامي منهما بلطاته     وأحلط هذا : لا أريم مكانيا .



                                                          قال ابن بري : قول الجوهري إلا أن الألف في تهام من لفظها ليس بصحيح بل الألف غير التي في تهامة ، بدليل انفتاح التاء في تهام ، وأعاد ما ذكرناه عن الخليل أنه منسوب إلى تهم أو تهم ، أراد بذلك أن الألف عوض من إحدى ياءي النسب ، قال : وحكى ابن قتيبة في غريب الحديث عن الزيادي عن الأصمعي أن التهمة الأرض المتصوبة إلى البحر ، قال : وكأنها مصدر من تهامة . قال ابن بري : وهذا يقوي قول الخليل في تهام كأنه منسوب إلى تهمة أو تهمة ، قال : وشاهد تهام قول أبي بكر بن الأسود المعروف بابن شعوب الليثي وشعوب أمه :


                                                          ذريني أصطبح يا بكر ، إني     رأيت الموت نقب عن هشام
                                                          تخيره ولم يعدل سواه     فنعم المرء من رجل تهام !



                                                          وأتهم الرجل وتتهم : أتى تهامة ، قال الممزق العبدي :


                                                          فإن تتهموا أنجد خلافا عليكم     وإن تعمنوا مستحقبي الحرب أعرق .



                                                          قال ابن بري : صواب إنشاد البيت :


                                                          فإن يتهموا أنجد خلافا عليهم .



                                                          على الغيبة لا على الخطاب ، يخاطب بذلك بعض الملوك ويعتذر إليه لسوء بلغه عنه ، وقبل البيت :


                                                          أكلفتني أدواء قوم تركتهم     فإلا تداركني من البحر أغرق .



                                                          أي : كلفتني جنايات قوم أنا منهم بريء ومخالف لهم ومتباعد عنهم ، إن أتهموا أنجدت مخالفا لهم ، وإن أنجدوا أعرقت ، فكيف تأخذني بذنب من هذه حاله ؟ وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي :


                                                          شآم يمان منجد متتهم     حجازية أعجازه وهو مسهل .



                                                          قال الرياشي : سمعت الأعراب يقولون : إذا انحدرت من ثنايا ذات عرق فقد أتهمت . قال الرياشي : والغور تهامة ، قال : وأرض تهمة شديدة الحر ، قال : وتبالة من تهامة . وفي الحديث : أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبه وضح ، فقال : " انظر بطن واد لا منجد ولا متهم فتمعك فيه " ، ففعل فلم يزد الوضح حتى مات ، فالمتهم : الذي ينصب ماؤه إلى تهامة ، قال الأزهري : لم يرد سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الوادي ليس من نجد ولا تهامة ، ولكنه أراد حدا منهما فليس ذلك الموضع من نجد كله ولا من تهامة كله ، ولكنه منهما ، فهو منجد متهم ، ونجد ما بين العذيب إلى ذات عرق وإلى اليمامة وإلى جبلي [ ص: 244 ] طيء وإلى وجرة وإلى اليمن ، وذات عرق : أول تهامة إلى البحر وجدة ، وقيل : تهامة ما بين ذات عرق إلى مرحلتين من وراء مكة ، وما وراء ذلك من المغرب فهو غور ، والمدينة لا تهامية ولا نجدية فإنها فوق الغور ودون نجد . وقوم تهامون : كما يقال يمانون . وقال سيبويه : منهم من يقول تهامي ويماني وشآمي ، بالفتح مع التشديد . والتهمة : تستعمل في موضع تهامة كأنها المرة في قياس قول الأصمعي . والتهم ، بالتحريك : مصدر من تهامة ، وقال :


                                                          نظرت ، والعين مبينة التهم     إلى سنا نار وقودها الرتم
                                                          شبت بأعلى عاندين من إضم .



                                                          والمتهام : الكثير الإتيان إلى تهامة . وإبل متاهيم ومتاهم : تأتي تهامة ، قال :


                                                          ألا انهماها إنها مناهيم     وإننا مناجد متاهيم .



                                                          يقول : نحن نأتي نجدا ثم كثيرا ما نأخذ منها إلى تهامة . وأتهم الرجل إذا أتى بما يتهم عليه ، قال الشاعر :


                                                          هما سقياني السم من غير بغضة     على غير جرم في أقاويل متهم .



                                                          ورجل تهام وامرأة تهامية إذا نسبا إلى تهامة . الأصمعي : التهمة الأرض المتصوبة إلى البحر كأنها مصدر من تهامة . والتهائم : المتصوبة إلى البحر . قال المبرد : إنما قالوا رجل تهام في النسبة إلى التهمة ؛ لأن الأصل تهمة ، فلما زادوا ألفا خففوا ياء النسبة كما قالوا : رجل يمان إذا نسبوا إلى اليمن ، خففوا لما زادوا ألفا ، وشآم إذا نسبت إلى الشام زادوا ألفا في تهام وخففوا ياء النسبة . وتهم البعير تهما : وهو أن يستنكر المرعى ولا يستمرئه وتسوء حاله ، وقد تهم أيضا ، وهو تهم إذا أصابه خرور فهزل ، وتهم الرجل ، فهو تهم : خبثت ريحه . وتهم الرجل ، فهو تهم : ظهر عجزه وتحير ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          من مبلغ الحسنا أن بعلها تهم     وأن ما يكتم منه قد علم ؟



                                                          أراد الحسناء فقصر للضرورة ، وأراد أن فحذف الهمزة للضرورة أيضا كقراءة من قرأ : أن أرضعيه . والتهمة : أصلها الواو فتذكر هناك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية