الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك

                                                                                                                            وهي أعني الشهادة تطلق على نفس تحملها وعلى نفس أدائها وعلى المشهود به وهو المراد بقوله ( تحمل الشهادة ) مصدر بمعنى المفعول ( فرض كفاية في النكاح ) لتوقف انعقاده عليه ، ولو امتنع الجميع أثموا ، ولو طلب [ ص: 321 ] من اثنين لم يتعينا إن وجد غيرهما بصفة الشهادة زاد الأذرعي وظن إجابة الغير وإلا تعينا ( وكذا الإقرار والتصرف المالي ) وغيره كعتق وطلاق ورجعة وغيرها التحمل فيه فرض كفاية إلا الحدود ( وكتابة ) بالرفع عطفا على تحمل ( الصك ) في الجملة وهو الكتاب فرض كفاية أيضا ( في الأصح ) للحاجة إليه لتمهيد إثبات الحقوق عند التنازع وكتابة الصك لها أثر ظاهر في التذكر وفيها حفظ الحقوق عند الضياع . والثاني المنع لصحتها بدونه ، وقولنا في الجملة إشارة لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم ما ثبت عنده أو حكم به ويندب للشاهد تبجيل الحاكم والزيادة في ألقابه بالحق ويكره الدعاء له بنحو أطال الله بقاءك ولا يلزمه الذهاب للتجمل إلا إن كان ممن تقبل شهادته والمشهود عليه معذور بنحو حبس أو مرض أو تخدير ، أو دعا قاض إلى أمر ثبت عنده ليشهده عليه ، أو دعا الزوج أربعة إلى الشهادة بزنى زوجته بخلاف دون أربعة وبخلاف دعاء غير الزوج . قال البلقيني نقلا عن جمع : أو لم يكن ثم ممن يقبل غيره وقدم هذه في السير إجمالا ، وله طلب أجرة الكتابة وحبس الصك وأخذ أجرة التحمل وإن تعين عليه حيث كان عليه فيه كلفة مشي أو نحوه لا للأداء وإن لم يتعين عليه لأنه فرض عليه فلا يستحق عليه عوضا ولأنه كلام يسير لا أجرة لمثله ، وفارق التحمل بأن الأخذ للأداء يورث تهمة قوية مع أن زمنه يسير لا تفوت به منفعة متقومة بخلاف زمن التحمل . نعم إن دعي من مسافة عدوى فأكثر فله نفقة الطريق وأجرة الركوب وإن لم يركب وكسب عطل عنه فيأخذ قدره لا لمن يؤدي في البلد إلا إن احتاجه فله أخذه وله صرف المعطى إلى غيره ، وله أن يقول : لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر واعلم أنه قد يكون [ ص: 322 ] مشي الشاهد من بلد إلى بلد مع قدرته على الركوب خرما للمروءة والمتجه امتناعه فيمن هذا شأنه ، قاله الإسنوي : قال الأذرعي : بل لا يتقيد ذلك بالبلدين فقد يأتي في البلد الواحد ويعد ذلك خرما للمروءة إلا أن تدعو الحاجة إليه أو يفعله تواضعا ( وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان ) كأن لم يتحمل غيرهما أو مات الباقون أو جنوا أو فسقوا أو غابوا ( لزمهما الأداء ) لقوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } أي للأداء وقيل له وللتحمل وقوله { ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } ومتى وجب الأداء كان فوريا ، نعم له التأخير لفراغ حمام وأكل ونحوهما ويؤخذ منه أن أعذار الشفعة أعذار هنا ( فلو ) ( أدى واحد وامتنع الآخر ) بلا عذر ( وقال ) للمدعي ( احلف معه ) ( عصى ) وإن كان الحاكم يرى الحكم بشاهد ويمين لأن مقاصد الإشهاد التورع عن الحلف ، وكذا لو امتنع شاهدا نحو وديعة وقالا احلف على الرد ( وإن ) ( كان ) في الواقعة ( شهود ) ( فالأداء فرض كفاية ) عليهم لحصول الغرض ببعضهم ، فإن شهد منهم اثنان فذاك ، وإلا أثموا كلهم سواء ادعاهم مجتمعين أم متفرقين ، والممتنع أولا أكثرهم إثما لأنه متبوع ، كما أن المجيب أولا أكثرهم أجرا لذلك ( فلو ) ( طلب ) الأداء ( من اثنين ) بأعيانهما ( لزمهما ) وكذلك لو طلب من واحد منهم ليحلف معه ( في الأصح ) لئلا يفضي إلى التواكل . والثاني لا كالمتحمل ، وفرق الأول بأنه هناك طلبها لتحمل أمانة وهنا لأدائها ومحل الخلاف ما إذا علم المدعون أن في الشهود من يرغب في الأداء أو لم يعلم من حالهم شيء ، أما إذا علم إباؤهم لزمهما قطعا ( وإن لم يكن ) في القضية ( إلا واحد لزمه ) الأداء إذا دعي له ( إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين ) والقاضي المدعو للأداء عنده يعتقد ذلك ( وإلا فلا ) لعدم حصول المقصود به ( وقيل لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدا لا اتفاقا ) لأنه لم يوجد منه التزام ، ورد بأنها أمانة حصلت عنده فلزمه أداؤها وإن لم يلتزمها كما لو طيرت الريح ثوبا في داره ، ويتجه إلحاق النساء فيما يقبل شهادتهن فيه بالرجال في ذلك وإن كان معهن في القضية رجال . والأوجه عدم تكليف المخدرة الخروج بل يرسل إليها من يشهد عليها ، ولو دعي لشهادتين في وقت واحد قدم أخوفهما فوتا وإلا تخير

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك

                                                                                                                            ( قوله : وأدائها ) إنما قدمه على كتابة الصك في الذكر لمناسبته للتحمل ، وقدم المصنف الكتابة على الأداء في بيان الحكم لأنه يطلب بعد التحمل للتوثيق به ( قوله : وعلى المشهود به ) أي إطلاقا مجازيا لما يأتي من قوله مصدر [ ص: 321 ] بمعنى إلخ ( قوله إلا الحدود ) أي فليس التحمل فيها فرض كفاية لم يذكر حكمها هل هو جائز أو مستحب ، والأقرب الأول لطلب الستر في أسبابها ( قوله : ما ثبت عنده أو حكم به ) ويظهر أن المشهود له أو عليه لو طلب من الشاهدين كتابة ما جرى تعين عليهما لكن بأجرة مثل كالأداء وإلا لم يبق لكون كتابة الصك فرض كفاية أثر ، ويفرق بينهما وبين القاضي بأن الشهادة عليه تغني عن كتابته ولا كذلك هنا ا هـ حج ( قوله أو دعا الزوج أربعة ) أي وعلى هذا يستثنى هذه من عدم وجوب التحمل في الحدود ( قوله : وأخذ أجرة التحمل ) وهي أجرة مثل ذلك المشي وليس له طلب الزيادة ، ولا فرق في ذلك بين الجليل والحقير ( قوله : وأجرة الركوب ) أي ولو كان غنيا لأنه في مقابلة عمل ( قوله : وله صرف المعطى ) أي فهو بمجرد أخذه يملكه ملكا مطلقا ولا يجب عليه صرفه فيما يحتاج إليه [ ص: 322 ] من نفقة وكسوة ( قوله : ويؤخذ منه أن أعذار الشفعة ) أي وهي أوسع من أعذار الجمعة ( قوله : فالأداء فرض كفاية ) أي سواء تحملوا قصدا أو اتفاقا بدليل قوله الآتي وقيل لا يلزم الأداء إلخ ( قوله : ولو دعي لشهادتين ) أي معا فلو ترتبا قدم الأولى



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في تحمل الشهادة وأدائها

                                                                                                                            ( قوله : وهو المراد بقوله تحمل الشهادة ) قال في التحفة : فالمراد الإحاطة بما ستطلب الشهادة منه به فيه ، قال : وكنوا عن تلك الإحاطة بالتحمل إشارة إلى أن الشهادة من أعلى الأمانات التي يحتاج حملها : أي الدخول [ ص: 321 ] تحت ورطتها إلى مشقة وكلفة ، ففيه مجازان لاستعمال التحمل والشهادة في غير معناهما الحقيقي ا هـ . واعلم أن الشيخ عميرة ذهب إلى أن المراد بالشهادة في المتن الأداء ، قال تلميذه ابن قاسم : ومعنى تحمله التزامه ا هـ . وقد يستبعد ما ذكره الشيخ عميرة في النكاح فتأمل ( قوله : إلا إن كان ممن تقبل شهادته ) عبارة التحفة : ولا يلزمه الذهاب للتحمل إن كان غير مقبول الشهادة مطلقا ، وكذا مقبولها إلا إن عذر والمشهود عليه معذور إلخ ( قوله : أو دعا الزوج أربعة إلخ ) انظره مع قوله المار إلا حدوده تعالى ( قوله : أو لم يكن ثم من يقبل غيره ) أي وإن لم يكن المشهود عليه معذورا كما هو قضية السياق ، ولعل وجه تعين الذهاب عليه مع تيسر حضور المشهود عليه سيما إذا كان حضوره أيسر من ذهاب الشاهد الاستناد إلى قوله تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } بناء على حملها على التحمل ثم رأيت الأذرعي قال : ينبغي حمله على ما إذا ادعاه المشهود له والمشهود عليه يأبى الحضور ، قال : أما إذا أجابه للحضور ولا عذر لواحد منهما فلا معنى لإلزام الشهود السعي للتحمل ا هـ ( قوله : لأنه فرض عليه ) فيه أن التحمل أيضا فرض عليه كما مر ( قوله وفارق التحمل إلخ ) ما قبل هذا فارق أيضا فكأن حق التعبير ولأن الأخذ للأداء [ ص: 322 ] يورث تهمة إلخ ( قوله : والمتجه امتناعه ) انظر مرجع الضمير ، والظاهر أنه القبول فكأن الإسنوي يقيد كون المشي خارما بما مر من أنه لا بد من التكرار ، فمراده بأنه شأنه أنه تكرر منه ، ويحتمل رجوع الضمير للخرم : أي امتناع كونه خارما ، ومعنى قوله على هذا فيمن هذا شأنه أن يكون لائقا به ، لكن هذا إنما يحتاج إليه لو قيل إن المشي خارما مطلقا فيحتاج إلى هذا التقييد ، لكن الذي قدمه أنه قد يكون خارما : أي وقد لا يكون خارما ، ومعلوم أن الأول فيمن لا يليق به ذلك فليراجع أصل كلام الإسنوي ( قوله : ولو دعي لإشهادين ) الأصوب [ ص: 323 ] لشهادتين أو لأداء شهادتين




                                                                                                                            الخدمات العلمية