الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال رحمه الله ) : وإذا أقر المأذون في مرض مولاه بدين أو غصب أو وديعة قائمة أو مستهلكة أو غير ذلك من ديون التجارات فإن كان المولى لا دين عليه ، ومات من مرضه ذلك فإقرار العبد جائز بمنزلة إقرار المولى به ; لأن الدين على العبد يشغل كسبه ومالية رقبته ، وذلك حق مولاه وصحة إقراره اعتبار إذن المولى به ، واستدامة الإذن بعد مرضه بمنزلة إنشائه ، وإذا كان صحة إقراره بسبب يضاف إلى المولى صار إقراره كإقرار المولى ، وإقرار المولى في مرضه بدين أو عين للأجنبي صحيح إذا لم يكن عليه دين ، وإن كان عليه دين في صحته بدئ بدين الصحة من تركته ، ومن رقبة العبد ، وكسبه فإن فضل من رقبته ، وكسبه شيء فهو للذي أقر به العبد ; لأن كسبه ورقبته ملك مولاه ، فإقراره فيه كإقرار المولى ، ولو أقر المولى بذلك كان دين الصحة مقدما عليه ، وكان الباقي بعد قضاء دين الصحة مصروفا إليه فهذا مثله ، وإن كان مال المولى غائبا فقضى القاضي دين المولى من ثمن العبد ، وما في يده ثم حضر مال المولى فإن القاضي يأخذ منه ثمن العبد ، وما كان في يده فيقضي به دين العبد ، وما أقر به ; لأن حق غريم العبد كان متعلقا به ، وقد قضى به دين المولى فيقوم غريم العبد مقام غريم المولى في الرجوع به في تركته إذا ظهر ماله ; ليأخذه قضاء من دينه ، وإن كان دين العبد أكثر من ذلك فما زاد على ثمن العبد ، ومالية كسبه من تركة المولى لوارثه لا حق فيه لغريم العبد ; لأن دينه ما كان ثابتا في ذمة المولى ، وإنما كان في .

[ ص: 49 ] كسب العبد ، ومالية رقبته ، وإن كان على المولى دين الصحة ، وعلى العبد دين الصحة وأقر العبد في مرض المولى كما وصفنا بدئ من كسب العبد ، ومالية رقبته بدين العبد الذي كان في صحة المولى ; لأن ذلك أسبق تعلقا به في حق غريم المولى ، وإنما يثبت فيه من جهة المولى ، وقد كان حق غريم العبد فيه مقدما على حق المولى فكذلك يكون مقدما على حق غريم المولى ثم يقضي منه دين المولى الذي كان في الصحة ; لأن ذلك أسبق تعلقا به مما أقر العبد به في مرض المولى ; لما بينا أن إقرار العبد فيه كإقرار المولى فإن فضل شيء فهو للذي أقر له العبد في مرض مولاه ، ولا يكون للذي أقر له العبد في مرض المولى مزاحمة غريم العبد في صحة المولى فيما يستوفيه ; لأن حقه يتأخر عن حق غريم المولى وغريم العبد في صحة المولى حقه مقدم على حق غريم المولى فكيف يزاحمه من كان حقه متأخرا عن حق غريم المولى .

; وهذا لأنه لو زاحمه فاستوفى منه شيئا لم يسلم له ذلك بل يأخذه غريم المولى منه ; لكونه مقدما عليه في ذلك ثم يأخذ ذلك منه غريم العبد في صحة المولى ; لأن حقه مقدم على حقه فلخلوه من الفائدة لا يشتغل به ، ولو لم يكن على المولى دين يحاص غرماء العبد الأولين والآخرين فيما في يده ; لأن صحة إقرار العبد في حق غرمائه بكونه مأذونا له في التجارة ، وقد جمع الإقرارين حالة واحدة وهي حالة الإذن فيجعل كل واحد منهما مزاحما لصاحبه في كسب العبد ورقبته بمنزلة ما لو أقر لهما بالدين معا إلا أن يكون أقر بشيء بعينه لإنسان فإنه يبدأ فيسلم للمقر له ; لأن إقراره بذلك صحيح ما دام مأذونا له في التجارة وتبين بإقراره أن تلك العين ليست من كسبه ، وإنما يتعلق حق غرمائه بكسبه .

والحاصل أنه إذا لم يكن على المولى دين ، فحال مرضه في أقارير العبد كحال صحته ، ولو لم يقر العبد بذلك في مرض مولاه ، ولكنه التزمه بسبب عاينه الشهود لزمه ذلك مثل ما يلزمه في صحة مولاه ; لأنه مأذون على حالة ، ولا تهمة في السبب الذي وجب به الدين .

( ألا ترى ) أن المولى لو باشر هذا الدين كان الدين الواجب به مساويا لدين الصحة فكذلك إذا باشره العبد ، ودين العبد في كسبه ، ومالية رقبته مقدم على دين المولى فما لم يقض ديونه لا يسلم لغريم المولى شيء من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية