الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن زوج ابنه أو ابنته في صحته أو مرضه ثم مات قبل قبض ذلك منه

                                                                                                                                                                                        ومن زوج ابنته في صحته، وضمن الصداق عن الزوج، ثم مات قبل أن تقبض الابنة صداقها، فإن خلف وفاء ; قضي ذلك من تركته، ولم تحاسب به من ميراثها. وإن لم يخلف شيئا; كان الزوج بالخيار، بين أن يدفع ذلك إليها، أو يفارق، ولا شيء عليه ، ويكون لها ذلك النصف. على قول مالك وابن القاسم تأخذه من تركة أبيها، متى طرأ له شيء . وعلى قول ابن نافع : لا شيء لها، ويعود ميراثا. وهذا إذا كان جميع صداقها نقدا، فإن كان النقد خمسين، والمؤخر خمسين، وخلف وفاء ; قضي لها بجميعه; لأن الموت يحل الأجل. وإن لم يخلف وفاء وأتى الزوج بالمعجل; كان له أن يبني بها. وإن خلف خمسين دينارا; أخذتها ، وكانت مفضوضة نصفا عن المعجل، ونصفا عن المؤجل، فإن أتى الزوج بتمام المعجل، وهو خمسة وعشرون، بنى بها [ ص: 1930 ] وإلا فارق، وكانت الخمسون التي خلف الميت لها على قول ابن القاسم .

                                                                                                                                                                                        ولو أفلس الأب قبل الدخول فطلب الزوج بالمهر فأداه، ثم دخل كان له الرجوع به على الأب متى أيسر، فإن كان الميت غريما ضربت بجميع صداقها، فإن نابها خمسون دينارا; وكان جميع الصداق معجلا; لم يكن له أن يبني بها إلا أن يتم مائة وإن كان نصفه معجلا و نصفه مؤجلا، كانت الخمسون مفضوضة على المعجل والمؤجل. فإن أتى الزوج بخمسة وعشرين دينارا ; بنى بها وإلا فارق.

                                                                                                                                                                                        ثم يختلف هل ينتقض الحصاص الأول، فمن قال: إن الصداق وجب بالعقد، لم ينتزع منها شيء، ومن قال: إنه مترقب، قال: عليها أن ترد نصف ما قبضته عن المعجل، وهو خمسة وعشرون، ثم تضرب فيها هي والغرماء بما بقي لهم; لأنه قد تبين أن دينها خمسون دينارا، وبها كانت تضرب، وإن كان جميع الصداق مؤجلا، كان للزوج أن يبني بها، وإن لم يخلف الميت شيئا. فالجواب إذا كان الصداق مؤجلا على الأب، بخلافه إذا كان على الزوج، فلم يدخل حتى حل المؤجل .

                                                                                                                                                                                        واختلف فيه إذا كان على الزوج هل تمنع نفسها حتى تقبض ما حل أم لا؟ وإذا كان المؤجل على الأب، لم يكن ذلك لها; لأنها دخلت على أن تسلم، [ ص: 1931 ] وتتبع ذمة آخر بمنزلة من قال: بع فلانا فرسك والثمن علي إلى سنة، ففعل، ثم فلس القائل بذلك بعد تسليم الفرس أو قبله - فليس له أن يمنع المبيع؛ لأنه دخل على التسليم، وتتبع غير ذمة المشتري على وجه الحمل، فأشبه الحوالة، وهذا إذا كان الحمل في أصل العقد.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان بعد العقد، فقال: ها هنا يستوفي ذلك من مال أبيها، إذا وقعت عقدة النكاح بالضمان. يريد فإن كانت بعد، لم يكن لها شيء. وقال في كتاب الحمالة: إذا قال: مالك على فلان، فأنا به كفيل، فمات قائل ذلك قبل أن يؤخذ من ذمته; فإنه يؤخذ من تركته ، وعلى القول الأول ترجع الزوجة على الزوج وكأنه لم يتحمل به أحد.

                                                                                                                                                                                        وعلى القول الآخر تأخذه من تركة أبيها إن خلف وفاء . فإن لم يخلف وفاء وكان الحمل بغير رضا الزوجة، عاد الجواب إلى ما تقدم يبقى على الزوج بمنزلته قبل أن يتحمل عنه، وإن كان برضاها رضيت أن تتحول بحقها في ذمة الأب، لم يكن لها أن تحبس نفسها، وكان له أن يدخل بها إلا أن يكون الصداق مؤجلا، فلا يبرأ الزوج; لأن الحمالة بما لا يحل فاسدة. [ ص: 1932 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية