الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النظر الثالث : في أحكامها وأصلها .

                                                                                                                وأصل كل معروف وإحسان الندب لقوله تعالى : [ ص: 259 ] إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ولقوله : " كل معروف صدقة " ، قال اللخمي : الصدقة في الصحة أفضل لقوله في مسلم لما سئل : " لأن تصدق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ولا تمهل حتى تبلغ الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا إلا وقد كان لفلان " ، وأفضلها أيضا ما كان ظهر غنى ، لقوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ، والعفو الفاضل ، وفي البخاري : قال : " لا صدقة إلا عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول " ، قال سحنون : لو لم يبق ما يكفيه ردت الصدقة ، وعن مالك : تجوز الصدقة بجملة المال وقد فعل الصديق - رضي الله عنه - والأول أحسن ; لأن صدقته - رضي الله عنه - إنما كانت لتأليف الناس واستنفاذهم من الكفر ، ويستحب أن تكون من أنفس المال لقوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ، ولقوله لما سئل : أي الرقاب أفضل ؟ قال : " أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها " ، ويستحب أن تكون على الأقارب لقوله لميمونة وقد أعتقت خادما : لو أعطيتها لأخوالك لكان أعظم لأجرك ، ففضل العطية للأقارب على العتق ; لأنه صدقة وصلة ، وقد قال مالك : صدقتك على ابن عمتك اليتيم أفضل من العتق ثم في الجيرة ، وفي الإصلاح ورفع الشحناء لقوله لما قالت له عائشة [ ص: 260 ] - رضي الله عنها - : إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : لأقربهما ، وسر ذلك أن الجوار له حق والقرب له حق فيجتمع في الجار القريب الأمران مع الصدقة ، كما اجتمع في القريب ، ومعروفان أفضل من معروف ، قال غيره : تقدم الأنثى على الذكر ; لأن وقع الإحسان مع ضعف الأنوثة أتم ، ويقدم العالم على الجاهل ; لأن قيام بنيته تنفع الناس ، والصالح على الطالح ; لأن بنيته ينتفع بها في عبادة الله تعالى ، والفقير الذي كان غنيا على من لم يزل فقيرا لقوله : " ارحموا عزيز قوم ذل وغني قوم افتقر ، فإن ضرره بالفقر أوقع " ، وقيل له عليه السلام أي الناس أحق ببري ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك ، فجعل لها ثلثي البر ، وهو يدل على أفضلية الإحسان للإناث على الذكور من كل نوع .

                                                                                                                فرع : ،

                                                                                                                قال ابن يونس : قال مالك : لا تشترى الصدقة من المتصدق عليه ولا من غيره ، ولا ترجع إليه باختيار من شراء ، أو غيره ، وإن تداولتها الأملاك والمواريث لقوله في البخاري : " ليس لنا مثل السوء العائد في هبته ، كالكلب يعود في قيئه " ، قال مالك : يجوز أكل لحم غنم تصدقت بها على ابنك الكبير ، وتشرب من لبنها وتلبس من صوفها إذا رضي الولد ، وكذلك الأم بخلاف الابن الصغير ولأجل الحجر ومال الكبير كمالك ، وإن تصدقت على أجنبي بنخل أو دابة فلا تأكل من ثمرها ولا تركبها ولا تنتفع بها ولا شيء من ثمنها بعارية أو غيرها ولو تصدق به عليك لا تقبلها للحديث المتقدم ، وقال محمد : إذا لم يبتل الأصل

                                                                                                                [ ص: 261 ] بل تصدق بالغلة عمرا أو أجلا فله شراء ذلك ؛ قاله مالك وأصحابه إلا عبد الملك ، واحتج بالحديث ، وجوابه المعارضة بالحديث الآخر في شراء العرية ، وإن جعلت الثمرة أو الخدمة إلى أجل والرقبة بعده لآخر فلا يجوز شراؤك ، ويجوز لمن له مرجع الأصل ولورثته ; لأنه لم يتصدق ، ويجوز لصاحب الغلة شراء الأصل ممن جعل له ؛ قاله مالك ، قال اللخمي : المشهور أن النهي عن شراء الصدقة على الندب والكراهة ، وقال الداودي : حرام ، فعلى الأول إذا نزل مضى وعلى الثاني يفسخ ، وألحق مالك الزكاة الواجبة بالتطوع ، واختلف في الإجزاء إذا فعل ، قال : وأرى الإجزاء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : تصدقت عليه بحائطك ، أو وهبته وتنازعتما في الثمرة ، فإن لم تؤبر يوم الصدقة فهي للمعطى تبعا ، وإلا فلك البيع ولا يمين عليك ; لأنه لم يحقق الدعوى في الثمرة ، ويحوز الرقاب والسقي عليك لأجل ثمرتك ، ويتولى ذلك هو حتى يتم الحوز ، قال ابن يونس : لو حقق الدعوى لحلفت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : وهب النخل واستثنى الثمرة عشر سنين ، فإن كان الموهوب يسقيها بمائه امتنح للغرر في بذل المال في السقي ، وفيما لا يعلم حصوله ، كمن وهب فرسه ليغزو عليه سنين ، ونفقته على الموهوب ثم هو له بعد ذلك ، واشترط عليه عدم البيع ، ولو كانت النخل بيدك تسقيها وتقوم عليها جاز ، كأنك وهبتها بعد [ ص: 262 ] عشر سنين إن سلمت ولم تمت أنت ولم تستدع ، وقال أشهب : لا يبطل شرطه في الفرس العطية ، بل يتعجله ويزول الخطر كمن أعار رجلا سنة ، ثم آخر بعده وترك المعار عاريته فيتعجل الثاني ، قال اللخمي : إذا كان السقي عليك وطلب أخذ النخل لم يكن ذلك له ، قال : وأرى إن قلت هي لك من الآن وثمرتها لي عشر سنين وسقيها على أن تجبر على تحويزه إياها الآن وإن تعدى عليها أجنبي فقطعها ؛ فالقيمة للموهوب ، وإن قلت هي لك بعد عشر سنين ؛ فالقيمة لك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : أشهد أن لفلان في ماله صدقة مائة دينار لزمته إن حملها ماله ، وإلا لم يتبع بما عجز لاختصاص اعترافه بماله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا مات الحر أو العبد قبل الحوز لورثة الحر وسيد العبد ، القبض للزوم العقد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا وهبت دينك للميت المديون اقتسمته الورثة على الفرائض ؛ أولهم اقتسموه الذكر والأنثى سواء للزوجة والزوج ، إلا أن تقول على السهام ; لأن الأصل في الشركة التسوية ولو طرأ وارث بعد القسمة فقال : قد صار إلي ميراثي ، أو تركته لكم اقتسموه على الفرائض ، قال : وينبغي في تركته لكم القسمة بالتسوية ، وإن طرأ غريم آخر وكان الأول قد قال وهبت ديني لكم فللورثة أن [ ص: 263 ] يضربوا بدين الأول ويأخذوا ما ينويه ، وقال ابن عبد الحكم : إن قال أسقطت ديني لم يحاصص الورثة بدينه إذا كان الميت معروفا بالدين ، وإلا فإن كان الورثة فقراء حمل تركه على الدين بالورثة فيتحاصون فيه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا وهبت المبيع بيعا فاسدا قبل تغيره في سوقه ، أو بدنه جازت الهبة إن قام بها الموهوب ، أو بعد تغير سوقه امتنع للزومه للمبتاع بالقيمة ، وإن أعتقته قبل تغير سوقه ، أو بدنه جاز أيضا لبطلان العقد ، قال ابن يونس : قال أشهب : لا يعتق إلا بعد الفسخ ; لأن ضمانه من المشتري ، قال اللخمي : قال محمد : للموهوب القيام بعد موتك وقبل الفوت وإذا وهبته قبل الفوت ، ورضي المشتري بإمضاء الهبة جاز وانتقض البيع وصار وديعة في يد المشتري ولا ضمان عليه وتصح حيازته للموهوب له ، وإن لم يقل له أنا أحوزه لك فقولان يتخرجان من هبة الوديعة ; لأن يد الواهب ليست عليها فتصح ، وإن تمسك المشتري بالمبيع ولم يرض بقبضه ولا بإمضاء الهبة ثم فات مضى حكم البيع إن كان مختلفا في فساده ، وإن اجتمع على فساده مضت الهبة ; لأن العقد أبقى نقل الضمان دون الملك ، وإن علمت بالفوت وأن الحكم عدم الرد حمل على أنك أردت هبة القيمة ، فإن مات العبد قبل الهبة أخذت القيمة ; لأنه لا يجهل أحد أن الموت فوت ، قال صاحب النكت : إذا وهب قبل حوالة السوق ولم يقبضه حتى حالت السوق بيع المبتاع ، قال أبو محمد : بطلت الهبة للفوت قبل الحوز ، ثم رجع إلى أن الهبة وقعت في حالة وجوب رد العين ، فهبة البائع فوت لانتقاله عن ملكه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إن وهب المرهون جاز وتعطي ما عليك إن كان لك مال [ ص: 264 ] فإن لم يقم عليك حتى فديته أخذه بعقد الهبة ما لم تمت فتبطل الهبة ، وتصح هبة المغصوب ، واشترط الأئمة القدرة على التسليم فمنعوه من غير الغاصب ، والبحث يرجع إلى جواز هبة المجهول والغرر فنحن نجيزه وهم يمنعونه ، فإن المغصوب أسوأ أحواله أن يكون غرر ، وليس حوز المرتهن والغاصب حوزا ; لأنهما حازا لأنفسهما بخلاف من أخدم عبده سنين ثم هو هبة بعد ذلك فقبض المخدم قبض للموهوب ، وقال أشهب : إن قبض الموهوب قبل قبض المرتهن فهو أحق إن كان الواهب مليا ويعجل الحق ، وفي هبة الثواب يعجل الحق كالبيع ، قال اللخمي : قيل ليس عليك افتكاك الرهن إذا حلفت أنك لم ترد تعجيله ; لأنه تجديد حق عليك ، ويخير المرتهن بين ترك الرهن وبين نقله إلى الأجل ، فإن حل والواهب موسر قضى الدين وأخذه الموهوب ، فإن كان يجهل أن الهبة لا تصح إلا بعد تعجيل الدين حلف على ذلك ولم يجبر على التعجيل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                ابن يونس : إذا اشترط على الواهب ألا يبيع ولا يهب بطلت الهبة والصدقة ; لأنه شرط مناقض للعقد ، قال مالك : إلا في السفيه والصغير ، فيشترط ذلك عليه للبلوغ ، أو الرشد ; لأنه مقتضى حالهما ، وقال أشهب : هي حبس عليه وعلى عقبه نظرا لموجب الشرط ، فإذا انقرضوا رجعت حبسا على أقرب الناس بالمعطي يوم المرجع ، قال ابن القاسم : ولو قال : إن أردت بيعه فأنا أحق به بطلت للحجر ، وعن مالك الجواز ، قال اللخمي : عن ابن القاسم إذا وهب على ألا يبيع ولا يهب إن نزل مضى ، وهو على شرطه ; لأن الهبة معروف كالحبس [ ص: 265 ] فيقبل الشرط ولا يبيعها إلا على ما جوزه مالك دون ابن القاسم ، وجوز المغيرة هبة الأمة على أن كل ولد تلده له ; لأن المقصود خدمتها ومنافعها ، وإن وهبها على أن يتخذها أم ولد قال ابن القاسم : يجوز وطؤها ، وإن أدركت قبل الوطء خير الواهب بين إمضائها بغير شرط أو يردها ، فإن وطئها تقررت ، وقال أصبغ : إن علم بذلك بعد الوطء وقبل الحمل خير الواهب بين الإمضاء بغير شرط وبين ردها ، ولو أفاتها الموهوب بعتق ، أو تدبير ، أو بيع لزمته قيمتها للفوت ، وقال ابن عبد الحكم : الهبة جائزة ويؤمر الموهوب بالوفاء بالشرط ، فإن قال : لا أعطيها الولد أمر بذلك ولم ينزع منه .

                                                                                                                فرع : ،

                                                                                                                قال ابن يونس : قال ابن القاسم : إذا قال إن ضمنت عني الدين فداري صدقة عليك لا تلزم الصدقة ولا الضمان لعدم الرضى بالهبة بالبيت ، وقال إذا قالت لك امرأتك وقد مرضت : إن حملتني إلى أهلي فمهري صدقة عليك فذهبت إلى أهلها لتقطع ما جعلت له سقط المهر ، وإن بدا له هو رجعت عليه بالمهر توفية بالشرط ، وإن قبلها على أن يتخذها أم ولد حرم وطؤها لفساد الهبة بالتحجير ، فإن حملت بوطئه فهي أم ولد ، ولا قيمة عليه توفية بالشرط ، بخلاف إذا أحلت له عليه القيمة ; لأن المحلل لم يعطه الرقبة ، فإن لم تحمل فهي له ولا ترد الصدقة ; لأنه طلب الولد بالوطء ، فقد وفى بالشرط ، وإذا قال : إن حفظ ولدي القرآن فله داري وأشهد على ذلك وفى له بالشرط ، وإن عمله تحريضا فلا شيء له .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : للأم الاعتصار لهبة ولدها في حياة أبيه ، أو ولدها الكبار قياسا [ ص: 266 ] على الأب إلا أن ينكح ، أو يتداين لتعلق الحق بها ، وإن لم يكن له أب حين الهبة لا تعتصر ; لأن الهبة لليتيم صدقة والصدقة لا تعتصر ، وإن وهبته وهو صغير وأبوه حي مجنون مطبق فهو كالصحيح لها الاعتصار ، وللأب اعتصار من الصغير والكبير ما لم ينكح ، أو يتداين ، أو يحدث في الهبة حادثا ، أو يطأ الأمة ، أو تتغير الهبة في نفسها لانتفال العين كالبيع الفاسد ، وله الاعتصار ، وإن كانت الأم ميتة عند الهبة ; لأن اليتم من الأب في بني آدم دون الأم وفي البهائم بالعكس ، ولا يكون له اعتصار ما وهبه غيره ; لأن مال الابن معصوم وليس لغير الأبوين اعتصار من جد ، أو جدة ، أو ولد ، ووافقنا ( ش ) وأحمد في اختصاص الأب والأم بالاعتصار وإن عليا ، وخالفنا ( ش ) وأحمد في الرجوع في الصدقة فجوزاه ، ووافقنا ( ح ) فيها وجوز الرجوع من كل واهب إلا من وهب لذي رحم محرم ; لأن أصل الهبة عنده على الجواز ، وإنما امتنع الرجوع لتوقع العقوق بين ذوي الأرحام المحرمة ، وناقض في الزوجين فمنع الاعتصار بينهما ، واشترط حكم الحاكم في الرجوع ، وعلى الحاكم أن يحكم بذلك ، حجته قوله : " من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها ، ولكنه كالكلب يعود في قيئه " ، بالقياس على الوصية بجامع التبرع ، خولف ذلك في ذي الرحم لقيام معارضة العقوق ، وفي الزوجين لمعارض المواصلة ، فيبقى ما عداه على مقتضى القياس ، والجواب عن الأول منع الصحة أو حمله على الأبوين أو على ما قصد به هبة الثواب ، وعن الثاني الفرق بأن الوصية عند مفارقة الدنيا [ ص: 267 ] يجوز الرجوع فيها حتى لا ينفر الناس من الإحسان بالمال خوفا من عدم الموت فيعيش فقيرا ، فإذا علم أن له الرجوع أمن فكثر الوصية وجاد ، والهبة في الحياة بخلاف ذلك ; لأن المال مطلوب الحفظ فاستغنى عن الترغيب بما ذكرناه ، سلمنا عدم الفرق ، ولكنه معارض بالقياس على البيع وبقوله تعالى : أوفوا بالعقود ، وبقوله في أبي داود : " لا يحل لرجل يعطي عطية يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده " ، وهو نص في صحة مذهبنا وإبطال مذهبكم حيث جوزتم وحيث منعتم ، وقال ( ش ) : لا يمنع الاعتصار الزواج ، ولا الفلس ، ولا نقصان الهبة ، ولا وطء الولد ، ولا الزيادة غير المتميزة كالسمن والصنعة ، والزيادة المتميزة كالصوف والكسب ، يرجع في الأصل دون الزيادة ، ولا البيع إذا رجعت بهبة أو ميراث ، ويبطل الرجوع الهبة المتصلة بالقبض وإحبال الأمة ، وقال أحمد : يبطل الاعتصار الخروج عن الملك ؛ وإن عادت إليه ، والاستيلاد لتعذر الملك بخلاف التدبير والهبة والوصية قبل القبض والوطء والتزويج والإجارة وكل تصرف لا يمنع من التصرف في الرقبة ، ويمنع الاعتصار المداينة وتزويج الولد ذكرا كان أو أنثى ، والزيادة المتصلة ، وقاله ( ح ) : فيها بخلاف المنفصلة ولا يمنع تلف بعضها ونقصها ، قال صاحب الخصال : ليس للوالد الاعتصار في اثنتي عشرة صورة في مذهب مالك : إذا تزوج الولد ، أو استدان ، أو مرض ، أو مرض الوالد ، أو وهبها لصلة الرحم ، أو القرابة ، أو لوجه الله ، أو لطلب الأجر ، أو قال : هبة لله ، أو كانت جارية فوطئها الابن ، أو يريد بها الصلة ، أو تغيرت ، وقال ابن بشير : للاعتصار سبعة شروط : أن تكون الهبة قائمة لم يحدث فيها عيب ولم يتعلق بها حق لغريم أو زوج أو زوجة والواهب أب والموهوب له غير فقير .

                                                                                                                فائدة : قال صاحب التنبيهات : الاعتصار لغة الحبس والمنع ، وقيل [ ص: 268 ] الارتجاع ، قال : وهو يدخل في الهبة وغيرها من النحل دون الأحباس والصدقة ولو كانت بلفظ الهبة إذا قال : لله تعالى ، أو لصلة الرحم ، كما أن الصدقة إذا شرط فيها الاعتصار فله شرطه ، والعمرى كالحبس ، وقيل كالهبة ، وخرج من قول مالك في العتبية أنه يأكل مما تصدق به على ابنه الصغير جواز اعتصار الصدقة ، قال ابن يونس : قال ابن دينار : زواج الذكر لا يبطل الاعتصار بخلاف الأنثى ; لأن الصداق بذل لمالها ، وقال محمد : إذا وهبت الأم ولدها الصغير فبلغ قبل موت أبيه ثم مات أبوه لها الاعتصار قياسا على الأب ، وإن مات الأب قبل بلوغه ثم بلغ لم تعتصر ; لأن موت الأب قبل البلوغ يقطع الاعتصار لتعلق الحجر بالمال من غيرها فيرتفع به سلطانها ; لأنها لا تلي المال فلا تعود بعد ذلك ، وإذا وهبت لولدها اليتيم الموسر فلها الاعتصار لانتفاء دليل الصدقة وهو الحاجة ؛ قاله أشهب ، وقال عبد الملك : إذا وهبت وقبضها الأب لا تعتصر لدخولها تحت ولاية الأب ، وكذلك إذا حاز الوصي ولو كانت هبة اعتصرت لتمكنها من التصرف في الهبة بالولاية كان له أب أم لا ، وإذا انقطع الاعتصار بالنكاح لا يعتد بالطلاق ، أو موت الزوج لتقرر ذلك ، وكذلك إذا زال النكاح المذكور ، أو دينهم ، أما مرض الأب أو الابن إذا زالا عاد الاعتصار ; لأنه لحق الغير كما يزول الحجر بعد ثبوته ؛ قاله سحنون ، وعن مالك : المرض كالدين قياسا عليه ، وقال المخزومي : لا يفيت وطء الأمة وتوقف فإن حملت بطل الاعتصار ، وقال ابن القاسم : يكفي الوطء ; لأن تحريمها يعتبر بحالها ولما فيه من الكشف ، ويكفي تقرير النكاح الثاني في مسألة الوليين ، وإن كان باطلا لتأخره ويصدق الابن في الوطء إذا غاب عليها ; لأنه أمر لا يعرف إلا من قبله كالعدد ، فعند ابن القاسم إذا علم أن الابن يزوج لأجل غناه لا لأجل تلك [ ص: 269 ] الهبة ، لأبيه الاعتصار ، وكذلك إذا وهبه ما قيمته عشرون دينارا ، وهو له ألف دينار له الاعتصار ، وإن تزوج ; لأن عدم الاعتصار إنما كان نفيا للضرر الذي يتوقع من الاعتصار ؛ حيث يعلم أنه إنما يزوج اعتمادا على الهبة ، وعن مالك يمتنع الاعتصار ; لأنه قد قوي بها ، وإذا وهبه دنانير فجعلها على يد رجل فصاغها حليا لا يعتصره لتغيره ، كما لو اشترى به جارية ، قال مالك : للأم من الاعتصار ما للأب والجد والجدة كالأبوين ، لاندراجهم في حرمة المصاهرة في عدة مواضع فكذلك يندرجان في لفظ الوالد في الحديث المتقدم وما يعتصر إذا أثاب الابن منه لا يعتصر لانتقاله لباب البيع ، وكذلك إذا أثابه عنه غيره وإذا نمت الهبة في بدنها فلا اعتصار ; لأنها حينئذ غير العين الموهوبة ، ولا يمنع حوالة الأسواق ; لأنها رغبات الناس فهي خارجة عن الهبة ، ويمنع مرض الأب ; لأنه حينئذ يعتصره لغيره فيمنع كما يمنع من الأخذ بالشفعة ليبيع ، قال اللخمي : قال مالك وابن القاسم للأم الاعتصار ، وقال عبد الملك : إن حازها الأب لم تعتصر ; لأنها في ولاية غيرها وكذلك إذا لم يكن له أب وليس في ولايتها ، وإنما تعتصر ما في ولايتها ، قال : قال والأول أحسن ; لأن الأب يعتصر هبة ولده الكبير بعد قبضها وخروجها عن ولاية الأب ، قال : وفي منع حدوث العيب بالهبة الاعتصار قولان ، قال : وعدم المنع أحسن ; لأن ضرره على الواهب ، وسمن الهزيل وكبر الصغير فوت ؛ لتعلق حق الموهوب إلا أن يكون هو المنفق على العبد ؛ قاله محمد ; لأنه كماله ، وفي تزويج الأمة الموهوبة قولان ; لأنه عيب وإذا ولدت له أخذ الأمة دون ولدها ، والزوجية بحالها ; لأن الزوجية عيب فلا يفيت ، والولد نما بمال السيد ; لأن الزوج ينفق على الزوجة والسيد على الولد ، إلا أن يعتصر بقرب الولادة ، وبناء الأرض وغرسها قوت خلافا ل ( ش ) ; لأنه ينقص الأرض ويوجب حقا للموهوب ، وهدم الدار ليس [ ص: 270 ] قوتا إلا أن يهدمها الابن ; لأنه ينفق عليها إلا أن يعتصر العرصة وحدها ، وإذا لم يكن عنده سوى الهبة فاشترى سلعة للتجارة امتنع الاعتصار ؛ لتعلق حق القضاء بها ، ومرض الأب أو الابن يمنع لتعلق حق الورثة من جهة الابن وكون الأب يعتصر لغيره ؛ قاله محمد ، وعنه مرض الأب غير مانع ; لأن المرض يوجب الحجر ، والحجر لا يمنع تحصيل المال ، بل إخراجه ، كما له أخذ مال مدبره وأم ولده في مرضه ، وإن كان الأخذ لغيره ، وإذا اعتمر في المرض ثم صح تم الاعتصار ; لأنه تبين أنه في حكم الصحيح ، قال : وينبغي أن يوقف إن مات سقط وإلا ثبت ، وقيل إذا طلب الاعتصار في المرض ثم صح لم يعد الاعتصار ، قال : وليس بحسن ، وإذا تقدمت المداينة وغيرها من الموانع الهبة لا تمنع الاعتصار ، وقال عبد الملك : تمنع ، وليس بحسن ، وإذا تقدمت المداينة وغيرها من الموانع الهبة لا تمنع الاعتصار ، وقال عبد الملك : تمنع ، وليس بحسن ، فإنه لم يزوج لأجلها ولا أدان لأجلها ، والمرض لم يطرأ عليها ، واختلف في الاعتصار من الولد الكبير الفقير ؛ فقيل : يعتصر لظاهر الحديث ومنع سحنون ؛ قال : وإنما يعتصر إذا كان في حجره ، وإن كان فقيرا ; لأنه المنفق عليه فهو غني به ، أو ليس في حجره وهو غني ; لأن الهبة قد تكون لقصد سد خلته إذا كان فقيرا ، وتعتصر الأم إذا كان الابن موسرا ؛ كان أبوه موسرا أو معسرا ، ويختلف إذا كانا فقيرين ، فقياسا على الولد الفقير ؛ قاله أشهب ومنع من الفقير الصغير ; لأنه صدقة حينئذ ، والمذهب الاعتصار من الكبير الفقير ، وإن لم تعتصر الأم في الصغير حتى مات الأب لها الاعتصار نظرا إلى حالة العقد وقيل تعتصر .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية