الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

                                                                                                                                                                                                ورزقني منه : أي: من لدنه، رزقا حسنا : وهو ما رزقه من النبوة والحكمة، وقيل: رزقا حسنا : حلالا طيبا من غير بخس ولا تطفيف . [ ص: 227 ] فإن قلت: أين جواب: "أرأيتم"، وما له لم يثبت كما أثبت في قصة نوح ولوط ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: جوابه محذوف; وإنما لم يثبت، لأن إثباته في القصتين دل على مكانه، ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنى: أخبروني إن كنت على حجة واضحة، ويقين من ربي، وكنت نبيا على الحقيقة، أيصح لي ألا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن المعاصي؟ والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك؟ يقال: خالفني فلان إلى كذا: إذا قصده وأنت مول عنه، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده، ويلقاك الرجل صادرا عن الماء فتسأله عن صاحبه؟ فيقول: خالفني إلى الماء، يريد أنه قد ذهب إليه واردا وأنا ذاهب عنه صادرا، ومنه قوله تعالى: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه : يعني: أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها، لأستبد بها دونكم، إن أريد إلا الإصلاح : ما أريد إلا أن أصلحكم بموعظتي، ونصيحتي، وأمري بالمعروف، ونهيي عن المنكر، ما استطعت : ظرف، أي: مدة استطاعتي للإصلاح، وما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا، أو بدل من الإصلاح، أي: المقدار الذي استطعته منه. ويجوز أن يكون على تقدير حذف المضاف على قولك: إلا الإصلاح: إصلاح ما استطعت، أو مفعول له; كقوله [من المتقارب]:


                                                                                                                                                                                                ضعيف النكاية أعداءه ... ................................



                                                                                                                                                                                                أي: ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم، وما توفيقي إلا بالله : [ ص: 228 ] وما كوني موفقا لإصابة الحق فيما آتي وأذر، ووقوعه موافقا لرضا الله إلا بمعونته وتأييده، والمعنى: أنه استوفق ربه في إمضاء الأمر على سننه، وطلب منه التأييد والإظهار على عدوه، وفي ضمنه تهديد للكفار، وحسم لأطماعهم فيه .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية