الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية عشرة : في تقديم الكفارة على الحنث :

                                                                                                                                                                                                              لعلمائنا روايتان :

                                                                                                                                                                                                              إحداهما يجوز ذلك له ; وبه قال الشافعي . وقال في الرواية الأخرى : لا يجوز ; وهو مذهب أبي حنيفة .

                                                                                                                                                                                                              والمسألة طويلة قد أفضنا فيها عند ذكرنا مسائل الخلاف بالتحقيق الكامل ، وها هنا ما يحتمل بعض ذلك ، فنذكر منه ما يتعلق بظاهر القرآن : قال ربنا سبحانه وتعالى : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } ، فعلق الكفارة على سبب ، وهو الحلف . [ ص: 156 ] وقال بعض العلماء منا ومنهم : معناه إذا حلفتم وحنثتم ; لأن الكفارة إنما هي لرفع الإثم ، وما لم يحنث لم يكن هنالك ما يرفع ، فلا معنى لفعلها ، لأن الكفارة لا ترفع المستقبل ، وإنما ترفع الماضي من الإثم ، فهذا الذي يقتضيه ظاهر قولنا : الكفارة ، وهو الذي أوجب أن تقدر الآية بقوله : ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وحنثتم .

                                                                                                                                                                                                              وتعلق الذين جوزوا التقديم بأن اليمين سبب الكفارة ، والدليل عليه قوله تعالى : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } فأضاف الكفارة إلى اليمين . والمعاني تضاف إلى أسبابها وأكدوا ذلك بوجهين : أحدهما : أن الحنث قد يكون من غير فعله ، كقوله : والله لا جاء فلان غدا من سفره ، ولا طلعت الشمس غدا .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن شهود اليمين بالطلاق على الزوج إذا رجعوا وجب عليهم الصداق ، ولولا كون اليمين سببا ما ضمنوا ما لا تعلق به بالتفويت ; لأن التفويت على قولهم إنما يتعلق بالسبب الذي هو الحنث لا باليمين . وتعين علينا أن ننظر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو آكد من النظر في الأداء ; لأنه أولى ، وهي المحل الثاني ، فوجدنا الآثار في صحيح الحديث مختلفة في ذلك : روى أبو موسى الأشعري ، وأبو هريرة ، وعدي بن حاتم ، وسمرة بن جندب قال أبو موسى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وإني إن شاء الله لا أحلف على يمين ، فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني ، وأتيت الذي هو خير } .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي لنا { فليأتها وليكفر عن يمينه } . وفي رواية : { فليكفر عن يمينه وليفعل } . قال عدي : فليكفرها وليأت الذي هو خير ; فوجب الترجيح ، فكان تقديم الحنث أولى ; لأنا إذا رددنا حديث تقديم الحنث إلى حديث تقديم الكفارة يسقطه ، ورد حديث تقديم الكفارة إلى تقديم الحنث يثبتهما جميعا . وأما المعاني فهي متعارضة ، فمن أراد التلخيص منها فلينظرها في التلخيص .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية