الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  [ حديث أبي سفيان في قصة هرقل ]

                                                                  [ ص: 344 ] 9724 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس قال : حدثني أبو سفيان ، من فيه إلى في قال : انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قال : وكان دحية الكلبي جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى ، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل فقال هرقل : أهاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا : نعم قال : فدعيت في نفر من قريش ، فدخلنا على هرقل فجلسنا إليه فقال : أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ قال أبو سفيان : قلت : أنا ، فأجلسوني بين يديه ، وأجلسوا أصحابي خلفي ، ثم دعا بترجمانه فقال : قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ، فإن كذب فكذبوه ، قال أبو سفيان : وايم الله لولا أن يؤثر علي الكذب لكذبت ، ثم قال لترجمانه : سله كيف حسبه فيكم ؟ قال : قلت : هو فينا ذو حسب قال : فهل كان من آبائه ملك ؟ قال : قلت : لا قال : فهل [ كنتم ] تتهمونه بالكذب قبل أن يقوله ؟ قال : قلت : لا ، قال : [ ص: 345 ] فمن اتبعه ؟ أشرافكم أم ضعفاؤكم ؟ قلت : بل ضعفاؤنا قال : هل يزيدون أم ينقصون ؟ قال : قلت : لا بل يزيدون قال : هل يرتد أحد عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ قلت : لا قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم قال : فكيف يكون قتالكم إياه ؟ قال : قلت : يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ، ونصيب منه قال : فهل يغدر ؟ قلت : لا ، ونحن منه في هدنة لا ندري ما هو صانع فيها قال : فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها غير هذه قال : فهل قال هذا القول أحد قبله ؟ قلت : لا قال لترجمانه : قل له إني سألتكم عن حسبه فقلت : إنه فينا ذو حسب ، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها ، وسألتك هل كان في آبائه ملك ؟ [ فزعمت أن : لا ، فقلت : لو كان من آبائه ملك ] قلت رجل يطلب ملك آبائه ، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشداؤهم ؟ قال : فقلت : بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل ، وسألتك : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ فزعمت أن : لا ، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ، ثم يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له ؟ فزعمت أن : لا ، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب ، وسألتك : هل يزيدون أم ينقصون ؟ فزعمت أنهم يزيدون ، وكذلك [ ص: 346 ] الإيمان لا يزال إلى أن يتم ، وسألتك هل قاتلتموه ؟ فزعمت أنكم قاتلتموه ، فيكون الحرب بينكم وبينه سجالا ، ينال منكم وتنالون منه [ وكذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة ، وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أنه لا يغدر ] وكذلك الرسل لا تغدر ، وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله ؟ فزعمت أن لا ، فقلت : لو كان هذا القول [ قاله ] أحد قبله قلت : رجل ائتم بقول قيل قبله قال : بم يأمركم ؟ قلت : يأمرنا بالصلاة ، والزكاة ، والعفاف ، والصلة قال : إن يك ما تقوله حقا فإنه نبي ، وإني كنت أعلم أنه لخارج ، ولم أكن أظنه منكم ، ولو كنت أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت [ عن ] قدميه ، وليبلغن ملكه ما تحت قدمي قال : ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأه ، فإذا فيه ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم ، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله إلى قوله اشهدوا بأنا مسلمون [ ص: 347 ] فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فأخرجنا قال : فقلت لأصحابي حين خرجنا : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة ، حتى أدخل الله علي الإسلام قال الزهري : فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم في دار له فقال : يا معشر الروم هل لكم إلى الفلاح والرشد آخر الأبد ؟ وأن يثبت لكم ملككم ؟ قال : فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت قال : فدعاهم فقال : إني اختبرت شدتكم على دينكم فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية