الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

في بيان من جمع القرآن حفظا

من الصحابة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-

حفظه في حياته جماعة من الصحابة ، وكل قطعة منه كان يحفظها جماعة كثيرة ، أقلهم بالغون حد التواتر ، وجاء في ذلك أخبار ثابتة في " الترمذي " و " المستدرك " وغيرهما من حديث ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه السور ذوات العدد ، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول : ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا قال الترمذي : هذا حديث حسن . وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .

[ ص: 335 ] وفي " البخاري " عن قتاده قال : سألت أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : أربعة ; كلهم من الأنصار : أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .

قال الحافظ البيهقي في كتاب " المدخل " : " الرواية الأولى أصح " ، ثم أسند عن ابن سيرين قال : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة لا يختلف فيهم : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد ، واختلفوا في رجلين من ثلاثة : أبو الدرداء وعثمان ، وقيل : عثمان وتميم الداري .

وعن الشعبي : جمعه ستة : أبي ، وزيد ، ومعاذ ، وأبو الدرداء ، وسعد بن عبيد ، وأبو زيد ، ومجمع بن جارية ، قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة ، قال : ولم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب محمد غير عثمان .

قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب في كتاب " الانتصار " الكلام في حملة القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقام الأدلة على أنهم كانوا [ ص: 336 ] أضعاف هذه العدة المذكورة ، وأن العادة تحيل خلاف ذلك ، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة ; وذلك في أول خلافة أبي بكر ، وما في " الصحيحين " : " قتل سبعون من الأنصار يوم بئر معونة ; كانوا يسمون القراء " .

ثم أول القاضي الأحاديث السابقة بوجوه منها : اضطرابها ، وبين وجه الاضطراب في العدد ، وإن خرجت في " الصحيحين " ، مع أنه ليس منه شيء مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنها بتقرير سلامتها ; فالمعنى : لم يجمعه على جميع الأوجه والأحرف والقراءات التي نزل به إلا أولئك النفر ، ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا تلك الجماعة ، ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه من فيه تلقيا غير تلك الجماعة ، وغير ذلك .

قال المازري : وكيف يمكن الإحاطة بأنه لم يكمله سوى أربعة ، والصحابة متفرقون في البلاد ، وإن لم يكمله سوى أربعة فقد حفظ جميع أجزائه مئون لا يحصون .

قال الشيخ : وقد سمى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام القراء من الصحابة في أول " كتاب القراءات " له فسمى عددا كثيرا .

قلت : وذكر الحافظ شمس الدين الذهبي في كتاب " معرفة القراء " ما يبين ذلك ، وأن هذا العدد هم الذين عرضوه على النبي - صلى الله عليه وسلم - واتصلت بنا أسانيدهم ، وأما من جمعه [ ص: 337 ] منهم ولم يتصل بنا فكثير ، فقال : ذكر الذين عرضوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن وهم سبعة : عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وقال الشعبي : لم يجمع القرآن أحد من الخلفاء الأربعة إلا عثمان ، ثم رد على الشعبي قوله : بأن عاصما قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي ، وأبي بن كعب ، وهو أقرأ من أبي بكر ، وقد قال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وهو مشكل ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء .

قال : وقد جمع القرآن غيرهم من الصحابة ; كمعاذ بن جبل ، وأبي زيد ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وعبد الله بن عمر ، وعقبة بن عامر ، ولكن لم تتصل بنا قراءتهم ، قال : وقرأ على أبي جماعة من الصحابة ; منهم أبو هريرة ، وابن عباس ، وعبد الله بن السائب .

التالي السابق


الخدمات العلمية