الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 86 ] المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام : { إن كنت قلته فقد علمته } فجعل الشرط وجزاءه ماضيين .

والجواب عنه من وجهين : أحدهما أنه قد قال بعض المفسرين : إن ذلك وقع منه في الدنيا وأن سؤال الله تعالى له قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون التقدير إن أكن أقله فأنت تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان وقيل : سؤال الله تعالى له يكون يوم القيامة وهذا القول هو المشهور فيكونان مستقبلين لا ماضيين قال ابن السراج : يجب تأويلهما بفعلين مستقبلين تقديرهما أن يثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما فيحسن التعليق عليه ويؤكد القول الأول أن السؤال كان في الدنيا من الآية نفسها قوله تعالى { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } فصيغة إذ للماضي وقال للماضي فإذا أخبر الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهذين اللفظين الماضيين دل ذلك على تقدم هذا القول في زمن عيسى عليه السلام في الدنيا والقول الثاني يتأول هذين اللفظين بالمستقبل ويقول : لما كان خبر الله تعالى واقعا في المستقبل قطعا صار من جهة تحققه يشبه الماضي فعبر عنه بلفظ الماضي كما قاله تعالى { أتى أمر الله } يريد يوم القيامة وتقديره يأتي أمر الله تعالى فائدة جميلة جليلة إذا تقرر أن الشرط وجزاءه لا يتعلقان إلا بمستقبل معدوم فاعلم أن ذلك في لسان العرب عشر حقائق : الشرط وجزاؤه والأمر والنهي .

والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فتأمل هذه العشرة لا تجد منها واحدا يتصور في ماض ولا حاضر سؤال كان يورده الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه في { قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له : كيف نصلي عليك فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } فكان يقول : قاعدة العرب تقتضي أن المشبه بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعطية إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه [ ص: 87 ] معناه الإحسان فإن الدعاء الذي هو حقيقة اللفظ محال فتعين حمله على مجازه وهو الإحسان لأن الدعاء إحسان فيكون من مجاز التشبيه أو لأن الإحسان متعلق الدعاء ومطلوبه فيكون من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق فإذا تقرر هذا فنحن نعلم أن إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام وتشبيهه به يقتضي خلاف ذلك فما وجه التشبيه وكان يجيب رحمه الله تعالى عن هذا السؤال فيقول : التشبيه وقع بين المجموعين مجموع المعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم عليه السلام وآله وآل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بأنبياء فعطية إبراهيم عليه السلام ذلك أعني المجموع يقسم عليه وعلى آله ويقسم المجموع المعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام أعظم من الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الفاضل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب .

ويندفع السؤال وكنا نستعظم هذا الجواب ونستحسنه ثم بعد وفاته رحمة الله عليه لما ظهرت لي هذه القاعدة وهي أن هذه ( العشرة حقائق ) في لسان العرب لا تتعلق إلا بالمعدوم المستقبل ظهر أن الجواب يحسن من هذه القاعدة وأن جواب الشيخ رحمه الله مستدرك وتقريره أن الدعاء لا يتعلق إلا بمعدوم مستقبل كسائر أنواع الطلب وقولنا اللهم صل دعاء فلا يتعلق إلا بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله عليه وسلم معدومة فإن طلب تحصيل الحاصل محال فالحاصل له عليه الصلاة والسلام لم يتعلق به طلب ألبتة لكونه موجودا حاصلا وبهذا الموجود الحاصل له عليه السلام حصل التفضيل له عليه السلام على إبراهيم عليه السلام فيكون الواقع قبل دعائنا مواهب ربانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من الأنبياء ولم يصل إليها ونحن نطلب له عليه السلام زيادة على ذلك تكون تلك الزيادة مثل المواهب الحاصلة لإبراهيم عليه السلام فنحن لو تخيلناها أقل المواهب الحاصلة لإبراهيم عليه السلام لم يلزم من ذلك التفضيل له على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومثال ذلك من العادات أن يعطي الملك لرجل ألف دينار ويعطي لآخر مائة ثم نطلب نحن من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة فإذا فعل ذلك كان الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة ومعلوم أن ذلك لا يخل بعطية صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا كذلك ها هنا فهذا جواب حسن سديد بناء على القاعدة في أن الدعاء لا يتعلق إلا بمستقبل معدوم ولا يحتاج إلى ذلك التعب والتفصيل الذي ذكره الشيخ مع أنه لا يصح فإنه جعل متعلق الطلب جميع ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم تعلق الطلب بالواقع وهو [ ص: 88 ] محال إذ يلزم عليه تحصيل الحاصل وهو غير جائز .

والجواب الحق هو هذا الثاني والعجب أنا طول أعمارنا نقول : ما أمرنا به وهو اللهم صل على محمد وصلى الله على محمد من غير تشبيه بإبراهيم ولا بغيره ومعلوم من قواعد العرب أن الفعل في سياق الإثبات لا يتناول إلا أصل المعنى وأنه مطلق لا عام ومن المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى لإبراهيم عليه السلام فإذا كنا نقتصر على مطلق الإحسان من غير إشكال ويكون ذلك حسنا من غير خلل فأولى أن يحسن منا طلب الإحسان المشبه بإحسان حصل لعظيم من العظماء فإنه أضعاف أصل الإحسان وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة التي لم تكن أعطيت قبل دعائنا وطلب الزيادة على الإعطاء العظيم لا يخل بصاحب العطية العظيمة الذي نحن نسأل له الزيادة والعجب من تنبه الشيخ لإيراد السؤال في الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن كان صحيحا فتأمله وتأمل ما ذكرته أنا فهو حسن إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 86 ] قال : ( المسألة الأولى قال : الله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام { إن كنت قلته فقد علمته } إلى قوله وتقديره يأتي أمر الله ) قلت : إذا تقرر أنها تتعلق بالماضي فلا يحتاج فيها إلى تأويل والله أعلم .

قال : ( فائدة جميلة إلى آخرها ) قلت : ما قاله من أن الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة لا تتعلق إلا بمستقبل إلا ما قاله في أن الصحيح والله أعلم .

قال : ( سؤال كان يورده عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه في { قوله عليه السلام لما قيل له : كيف نصلي عليك فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } إلى آخر السؤال ) قلت : هذا السؤال مبني على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر والصفة وليس ذلك بلازم فإن القائل إذا قال : أعط زيدا كما أعطيت عمرا يحتمل أن يريد بالتشبيه أصل العطاء من غير تعرض لشيء من صفاته من القدر وغيره وعلى هذا لا يرد السؤال لكن ربما يسأل عن اختصاص إبراهيم فالجواب أن موجب اختصاصه بذلك اختصاصه بالنسبة إليه بالنبوة والموافقة في معالم الملة [ ص: 87 ]

قال : ( وكان يجيب رحمه الله عن هذا السؤال فيقول : التشبيه وقع بين المجموعين إلى قوله [ ص: 88 ] والجواب الحق هو هذا الثاني ) قلت : على تسليم أن التشبيه يستلزم المشابهة في أوصافها فهو على تقدير إرادة المشبه ذلك يكون جواب عز الدين مستدركا كما قال : شهاب الدين وجوابه هو أصح والله أعلم .

قال : ( والعجب أنا طول أعمارنا نقول ما أمرنا به وهو اللهم صل على محمد وصلى الله على محمد من غير تشبيه بإبراهيم عليه السلام ولا بغيره إلى قوله وأنه مطلق لا عام ) قلت : ولقائل أن يقول ما أمرنا إلا بالصلاة المشبهة فإنها التي وردت في الحديث لا غيرها وما قال : من أنه مطلق لا عام صحيح .

قال : ( ومن المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى لإبراهيم عليه السلام إلى قوله فإنه إضعاف أصل الإحسان ) .

قلت : ما قاله هنا ليس بصحيح فإن مطلق الإحسان لا يصح أن يكون إحسان ما قيد إضعافا له وإنما يكون إضعافا لإحسان مقيد وليس هذا كلام من فهم المطلق والمقيد والفرق بينهما على وجهه والذي حمله على هذا الخطأ استرواحه إلى قاعدة غير صحيحة قررها بعد وهي أن الأعم يستلزم الأخص عينا إذا كان الفرق بينهما بالأقل والأكثر والمستلزم هو الأقل .

قال : ( وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة التي لم تكن أعطيت قبل دعائنا إلى قوله الذي نحن نسأل له الزيادة ) قلت : ما قاله هنا صحيح .

قال : ( والعجب من تنبه الشيخ لا يراد السؤال في الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن كان صحيحا ) قلت : التنبه لإيراد السؤال على الحديث مبني على استلزام التشبيه للمشابهة في صفات الفعل وهو مما يسبق إليه الوهم في مثل هذا الحديث وأما في مطلق الصلاة وأشباهها فلا يسبق ذلك فيها إلى وهم من عرف حقيقة المطلق والمقيد والفرق بينهما بوجه وإنما يسبق ذلك إلى وهم من لا يعرف حقيقتهما ولا الفرق بينهما .

قال : ( وتأمل ما ذكرته فهو حسن والله أعلم ) قلت : قد تبين أنه ليس بحسن والحمد لله .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

قلت وعلى هذا فالفرق أن لو لمجرد التعليق في الماضي غالبا وأما إن فلمجرد التعليق في المستقبل غالبا فافهم وهنا وصلان :

( الوصل الأول ) قد علمت أن الكثير في شرط إن وجزائه أن لا يتعلقا إلا بمستقبل معدوم والقليل تعلقهما بماض على ما فيه وشرط لو وجزاؤه بالعكس وكذا سائر أدوات الشرط فليس الشرط والجزاء مما لا يتعلق في لسان العرب إلا بمستقبل معدوم كالأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة بل عدم التعليق بغير المستقبل خاص في لسان العرب بهذه الثمانية فلا يتصور واحد منها في ماض ولا حاضر وما أمرنا به في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليس إلا الصلاة المشبهة فإنها التي وردت في { قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قيل له : كيف نصلي عليك فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } وقولنا اللهم صل دعاء فلا يتعلق إلا بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم معدومة والموجود الحاصل له عليه الصلاة والسلام قبل دعائنا لم يتعلق به طلب ألبتة لأن طلب تحصيل الحاصل محال وذلك الموجود الحاصل مواهب ربانية لرسول الله من خيري الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من الأنبياء ولم يصل إليها وما نطلبه له عليه الصلاة والسلام زيادة على ذلك فلو تخيلناه أقل من المواهب الحاصلة لإبراهيم بمقتضى قاعدة أن المشبه به أعظم من المشبه في وجه الشبه لم يلزم منه تفضيل إبراهيم عليه السلام على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ألا ترى أن الملك لو أعطى لرجل ألف دينار وأعطى الآخر مائة ثم طلبنا نحن من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة وأجاب الملك طلبنا لكان الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة لم يلزم على ذلك .

وإن تخيل أن مائة صاحب المائة أعظم من مائة صاحب الألف بمقتضى قاعدة التشبيه إخلال ما بعطية صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا فسقط ما أورده العز بن عبد السلام على الحديث المذكور من أن قاعدة العرب تقتضي أن المشبه بالشيء [ ص: 102 ] يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعطية إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه وتعالى معناها الإحسان مجازا إما بالاستعارة أو مرسلا من باب التعبير بالمتعلق لا الدعاء الذي هو حقيقة اللفظ لاستحالته ونحن نعلم أن إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام وتشبيهه به يقتضي خلاف ذلك فما وجه التشبيه ولا حاجة لجوابه عنه بأن التشبيه وقع بين المجموعين مجموع المعطى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى لإبراهيم عليه السلام ولآله وآل إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليسوا بأنبياء فالمجموع المعطى لإبراهيم عليه السلام يقسم عليه وعلى آله والمجموع المعطى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقسم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل إبراهيم عليه السلام أعظم من الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيكون الفاضل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أعظم من الفاضل لإبراهيم عليه السلام فيكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من إبراهيم وهو المطلوب نعم الصحيح أن الألفاظ الثمانية من الدعاء وما معه .

وإن كانت لا تتعلق في لسان العرب إلا بالمستقبل إلا أن ذلك لا يمنع كما يأتي في الفرق الرابع والستين عن ابن الشاط من تشبيه ما يتعلق به واحد منها بغير المستقبل ولكن مع ذلك فسؤال ابن عبد السلام المذكور ليس بلازم الورود على الحديث المذكور وذلك لأن هذا السؤال مبني على مشابهة الفعل المطلوب للفعل المشبه به في القدر والصفة بأن يكون مراد الداعي بقوله أعط زيدا كما أعطيت عمرا سو بينهما في مقدار العطية وصفتها مع محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا وليس ذلك بلازم بل يحتمل أن يكون الداعي أراد سو بينهما في مطلق العطية من غير تعرض لفقد التسوية في مقدار العطية ولا في صفتها أو أراد سو بينهما في مقدار العطية وصفتها من غير محاسبة زيد بما أعطيته قبل هذا وعلى هذين الاحتمالين لا يصح ورود السؤال من أصله نعم ربما يسأل عن موجب اختصاص إبراهيم عليه السلام بذلك فيقال : موجبه نسبة نبينا صلى الله عليه وسلم إليه بالنبوة والموافقة في معالم الملة كما قاله ابن الشاط وعلى تقدير إرادة الداعي الاحتمال الأول المبني عليه ورود السؤال فجواب ابن عبد السلام عنه بما ذكر مستدرك بأن مقتضاه تعلق الطلب [ ص: 103 ] بالموجود الحاصل له صلى الله تعالى عليه وسلم والحال أن طلب تحصيل الحاصل محال فافهم .

( الوصل الثاني ) في أربع عشرة مسألة توضح القاعدتين المسألة الأولى جعل الشرط وجزائه ماضيين في قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام { إن كنت قلته فقد علمته } جاز على القليل من تعلق إن بالماضي فلا تحتاج الآية إلى أن يدعي أولا أن هذا القول وقع في زمن عيسى عليه السلام في الدنيا بدليل أن سؤال الله تعالى كان في الدنيا فإنه قد أخبر الله به محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم بلفظي إذ وقال الماضيين بقوله تعالى { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم } وثانيا أن سؤاله تعالى قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون التقدير إن أكن أقوله فأنت تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان أو يقال المشهور أن السؤال يكون يوم القيامة لكن عبر عنه بالماضي على حد قوله تعالى { أتى أمر الله } لأن خبره تعالى الواقع في المستقبل كالماضي في تحقق الوقوع فيجب كما قال ابن السراج تأويل الشرط والجزاء بفعلين مستقبلين تقديرهما إن يثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما فيحسن التعليق عليه .




الخدمات العلمية