الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مسألة

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن خويز منداد من علماء المالكية : تضمنت هذه الآية الحكم بالقافة ; لأنه لما قال : ولا تقف ما ليس لك به علم [ 17 \ 36 ] دل على جواز ما لنا به علم ، فكل ما علمه الإنسان أو غلب على ظنه جاز أن يحكم به . وبهذا احتججنا على إثبات القرعة والخرص ; لأنه ضرب من غلبة الظن ، وقد يسمى علما اتساعا ، فالقائف يلحق الولد بأبيه من طريق الشبه بينهما ، كما يلحق الفقيه الفرع بالأصل عن طريق الشبه . وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل علي مسرورا تبرق أسارير وجهه ، فقال : " ألم تري أن مجززا المدلجي نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد عليهما قطيفة ، قد غطيا رءوسهما وبدت أقدامهما فقال : إن بعض هذه الأقدام لمن بعض " وفي حديث يونس بن يزيد : وكان مجزز قائفا . اهـ بواسطة نقل القرطبي في تفسيره .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : من المعلوم أن العلماء اختلفوا في اعتبار أقوال القافة ، فذهب بعضهم إلى عدم اعتبارها ، واحتج من قال بعدم اعتبارها بقصة الأنصارية التي لاعنت زوجها وجاءت بولد شبيه جدا بمن رميت به ولم يعتبر هذا الشبه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم يحكم بأن الولد من زنى ولم يجلد المرأة .

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا : فلو كان الشبه تثبت به الأنساب لأثبت النبي صلى الله عليه وسلم به أن ذلك الولد من ذلك الرجل الذي رميت به ، فيلزم على ذلك إقامة الحد عليها ، والحكم بأن الولد ابن زنى ، ولم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك كما يأتي إيضاحه ( في سورة النور ) إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القول بعدم اعتبار أقوال القافة مروي عن أبي حنيفة وإسحاق والثوري وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب جمهور أهل العلم إلى اعتبار أقوال القافة عند التنازع في الولد ، محتجين بما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز بن الأعور المدلجي : إن بعض هذه الأقدام من بعض ، حتى برقت أسارير وجهه من السرور .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 154 ] قالوا : وما كان صلى الله عليه وسلم ليسر بالباطل ولا يعجبه ، بل سروره بقول القائف دليل على أنه من الحق لا من الباطل ; لأن تقريره وحده كاف في مشروعية ما قرر عليه ، وأحرى من ذلك ما لو زاد السرور بالأمر على التقرير عليه ، وهو واضح كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      واعلم أن الذين قالوا باعتبار أقوال القافة اختلفوا ، فمنهم من قال : لا يقبل ذلك إلا في أولاد الإماء دون أولاد الحرائر . ومنهم من قال : يقبل ذلك في الجميع .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : التحقيق باعتبار ذلك في أولاد الحرائر والإماء ; لأن سرور النبي صلى الله عليه وسلم وقع في ولد حرة ، وصورة سبب النزول قطعية الدخول كما تقرر في الأصول ، وهو قول الجمهور وهو الحق ، خلافا للإمام مالك رحمه الله قائلا : إن صورة السبب ظنية الدخول ، وعقده صاحب مراقي السعود بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      واجزم بإدخال ذوات السبب وارو عن الإمام ظنا تصب



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية