الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما حكم الله في حق هذا المعين، فلا ريب أن الأقوال التي ذكر أنه قتل عليها; من الاتحاد، ودعوى الإلهية كفر باتفاق المسلمين. فمن اعتقد في نفسه ما يعتقد النصارى في المسيح، فهو كافر بالله باطنا وظاهرا، ولو كان أعبد الناس وأزهد الناس; فإن أنواع العبادات والزهادات، وأنواع الرياضات والمجاهدات لا تقبل إلا مع الإيمان بالله ورسوله.

وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن اليهود والنصارى كفار وإن كانوا من أعبد الناس. وأن رهبان النصارى لا يقبل الله عباداتهم وزهاداتهم; لأنهم خارجون عن دين الإسلام، مع أن معهم من العبادات والزهد ما هو أبلغ. [ ص: 452 ]

وكذلك المشركون في عبادة الأصنام; كعباد الهند الذين يعبدون الأبداد وغيرهم كفار بإجماع المسلمين وإن كانوا عبادا زهادا.

وقد قال الله تعالى: قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا [الكهف: 103 - 105].

وقد سئل عن هؤلاء سعد بن أبي وقاص فقال: هم أهل الصوامع والزيارات. وسئل عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: هم أهل حروراء. يعني الخوارج.

وقد ثبت في « الصحيح» في الخوارج: « يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة».

وهؤلاء قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بأمر [ ص: 453 ] النبي صلى الله عليه وسلم، وقتلهم مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم، فإذا كان هؤلاء يخرجونهم عن السنة والجماعة، فكيف بمن خرج عن أهل الدين بما ينافي التوحيد والرسالة، ودخل فيما عليه النصارى ونحوهم من الضلالة؟

ولو كان لمثل هذا من خوارق العادات ماذا عسى أن يكون، فإنه [إن] لم يلتزم طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا فإنه ضال مفتون. وقد اتفق أهل طريق الله على أن خوارق العادات مع الخروج عن الكتاب والسنة لا تغني عن صاحبها شيئا، وأن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء، فلا تغتر به حتى تنظر وقوفه عند الأمر والنهي.

وقد ثبت في « الصحيح» عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إذا قعد أحدكم في التشهد فليستعذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال».

والدجال يدعي أنه الله ويقول للسماء: أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فيخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل الميت ثم يعيش. ومع هذا كله فهو كافر بالله العظيم. فمن اتبع أحدا في ضلالة لأجل ما يظهر عنه من خارق; فقد أصابته فتنة الدجال. [ ص: 454 ]

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن صياد: « إني قد خبأت لك خبيئا» فقال: الدخ، فقال: « اخسأ فلن تعدو قدرك» أي: أنت كاهن. وهذه قاعدة مبسوطة في غير هذا الموضع.

وعامة هؤلاء الخارجين عن شريعة الإسلام; كالسهروردي المقتول الحلبي، وابن سبعين وأمثالهم كانوا يتعاطون السيمياء التي هي من السحر، وحكاياتهم في ذلك مشهورة، وهي من أنواع التخييل. وكانوا فلاسفة يميلون إلى طريقة الحلاج وأمثاله. ولابن سبعين خرقة مجهولة الرجال متصلة بالحلاج.

وقد استفاض من نقل العلماء ونصوصهم أن الحلاج كانت له مخاريق، فلا يجوز لأحد أن يستدل بمخارقه على أنه ولي لله، وأنه قتل مظلوما. فإن كثيرا من الجهال من يفعل هذا، ويبني عليه ثلاث مقدمات باطلة:

أحدها: أنه كانت له كرامات.

والثانية: أن صاحب الكرامات التي هي خرق العادات ولي لله.

التالي السابق


الخدمات العلمية