الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          891 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وجائز للمحرم دخول الحمام ، والتدلك ، وغسل رأسه بالطين ، والخطمي ، والاكتحال ، والتسويك ، والنظر في المرآة ، وشم الريحان ، وغسل ثيابه ، وقص أظفاره وشاربه ، ونتف إبطه ، والتنور ، ولا حرج في شيء من ذلك ، ولا شيء عليه فيه ; لأنه لم يأت في منعه من كل ما ذكرنا قرآن ، ولا سنة ، ومدعي الإجماع في شيء من ذلك : كاذب على جميع الأمة ، قائل ما لا علم به - ومن أوجب في ذلك غرامة فقد أوجب شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى ؟ وقد اختلف السلف في هذا - : روينا من طريق أيوب السختياني عن عكرمة أن ابن عباس دخل حمام الجحفة وهو محرم وقال : إن الله تعالى لا يصنع بوسخ المحرم شيئا . وأنه قال : المحرم يدخل الحمام ، وينزع ضرسه ، إن انكسر ظفره طرحه ، أميطوا عنكم الأذى إن الله لا يصنع بأذاكم شيئا . وأنه كان لا يرى بشم الريحان للمحرم بأسا ، وأن يقطع ظفره إذا انكسر ، ويقلع ضرسه إذا آذاه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : رأى عمر بن الخطاب بعض بنيه - أحسبه قال عاصم بن عمر - وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، وهو جالس على ضفة البحر ، وهما يتماقلان وهم محرمون : يغيب هذا رأس هذا ويغيب هذا رأس هذا : فلم يعب عليهما .

                                                                                                                                                                                          وعن عكرمة عن ابن عباس قال : كنت أطاول عمر بن الخطاب النفس ونحن محرمان في الحياض .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن زيد نا أيوب هو السختياني - عن عكرمة عن ابن عباس قال : لقد رأيتني أماقل عمر بن الخطاب بالجحفة ونحن محرمان - [ ص: 279 ] المماقلة : التغطيس في الماء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس : أنه كان هو وابن عمر بإخاذ بالجحفة يترامسان وهما محرمان - : قال أبو محمد : الإخاذ الغدير - والترامس التغاطس .

                                                                                                                                                                                          ورأى مالك على من غيب رأسه في الماء : الفدية ، وخالف كل من ذكرنا ; واختلف عن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة في غسل المحرم رأسه فاحتكما إلى أبي أيوب الأنصاري ، ووجها إليه عبد الله بن حنين فوجده يغسل رأسه وهو محرم ، وأخبره : أنه { رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم } وقد ذكرنا { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة أم المؤمنين بأن تنقض رأسها وتمتشط وهي محرمة } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا العمري عن نافع عن ابن عمر قال : لا بأس أن يغسل المحرم ثيابه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع نا سفيان الثوري عن منصور عن سالم عن أبي الجعد قال : سئل ابن عمر عن ذلك ؟ - يعني عن غسل المحرم ثيابه - فقال : لا بأس به إن الله لا يصنع بدرنك شيئا ؟ ومن طريق عمرو بن دينار عن عكرمة قال : لا بأس أن تمشط المرأة الحرام المرأة الحرام وتقتل قمل غيرها .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء ، وإبراهيم النخعي قالا : لا بأس بدخول المحرم الحمام - وهو قول أبي حنيفة ، وسفيان الثوري ، والشافعي ، وأبي سليمان .

                                                                                                                                                                                          فإن ذكروا قول الله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم } ؟ قلنا : روينا عن ابن عمر قال : التفث ما عليهم من الحج ، وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم { من الفطرة : قص الأظفار ، ونتف الإبط ، وحلق العانة وقص الشارب } ، والفطرة سنة لا يجوز تعديها ، ولم يخص عليه السلام محرما من غيره : { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله ممن يجعل فيمن فعل ما أمر به من ذلك ، أو أبيح له ولم ينه عنه : كفارة أو غرامة ، ثم لا يجعل على المحرم في فسوقه ومعاصيه ، وارتكابه الكبائر شيئا ، لا فدية ، ولا غرامة ، بل يرى حجه ذلك تاما مبرورا ؟ وحسبنا الله ونعم الوكيل . [ ص: 280 ] ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر : أنه كان ينظر في المرآة وهو محرم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا بأس أن ينظر المحرم في المرآة - ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاوس ، وعكرمة .

                                                                                                                                                                                          وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان - وقال مالك : يكره ذلك - وقد رويت كراهة ذلك عن ابن عباس ; والإباحة عنه أصح .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إن قلم المحرم أظفار أربع أصابع ، أربع أصابع من كل يد من يديه ، ومن كل رجل من رجليه : فعليه إطعام ما شاء ، فإن قلم أظفار كف واحدة فقط ، أو رجل واحدة فقط : فعليه دم . وقال محمد بن الحسن : إن قلم خمسة أظفار من يد واحدة ، أو من رجل واحدة ، أو من يدين ، أو من رجلين ، أو من يديه ، ورجليه معا : فعليه دم ، فإن قلم أربعة أظفار كذلك : فعليه إطعام .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو يوسف : كقول أبي حنيفة ، إلا أنه قال : يطعم عن كل ظفر نصف صاع .

                                                                                                                                                                                          وقال زفر ، والحسن بن زياد : إن قلم ثلاثة أظفار من يد واحدة ، أو من رجل واحدة ; أو من يدين ورجل ، أو من رجلين ويد : فعليه دم - فإن قلم أقل فعليه أن يطعم عن كل أصبع نصف صاع .

                                                                                                                                                                                          وقال الطحاوي : لا شيء عليه حتى يقلم جميع أظفار يديه ورجليه : فتجب عليه الفدية .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : من قلم من أظفاره ما يميط به عن نفسه أذى فالفدية المذكورة في حلق الرأس عليه .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : من قلم ظفرا واحدا فليطعم مدا ، فإن قلم ظفرين فمدين ، فإن قلم ثلاثة أظفار فعليه دم ؟ فاعجبوا لهذه الأقوال الشنيعة التي لا حظ لها في شيء من وجوه الصواب ولا نعلم [ ص: 281 ] أحدا قالها قبلهم - وقد ذكرنا عن ابن عباس آنفا : لا بأس على المحرم إذا انكسر ظفره أن يطرحه عنه وأن يميط عن نفسه الأذى .

                                                                                                                                                                                          وهو قول عكرمة ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وحماد بن أبي سليمان ، ليس منهم أحد جعل في ذلك شيئا .

                                                                                                                                                                                          وعن عطاء : إن قص أظفاره لأذى به فلا شيء عليه ، فإن قصها لغير أذى فعليه دم - وعنه ، وعن الحسن : إن قلم ظفره المنكسر فلا شيء عليه ، فإن قلمه من غير أن ينكسر : فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          وعن الشعبي : إن نزع المحرم ضرسه : فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ولا مخالف لابن عباس في هذا يعرف من الصحابة رضي الله عنهم ، ويلزم من رأى في إماطة الأذى الدم أن يقول بقول الشعبي في إيجاب إماطة الأذى بقلع الضرس ، ونعم ، وفي البول ، وفي الغائط لأن كل ذلك إماطة أذى .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن عباس : يغسل المحرم ثيابه .

                                                                                                                                                                                          ومن طرق وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال في غسل المحرم ثيابه : إن الله لا يصنع بدرنك شيئا .

                                                                                                                                                                                          - وبه إلى سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال : لا بأس بغسل المحرم ثيابه ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف .

                                                                                                                                                                                          وبه يقول أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية