الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين

                                                                                                                                                                                                                                      ثمانية أزواج الزوج : ما معه آخر من جنسه يزاوجه ويحصل منهما النسل ، والمراد بها : الأنواع الأربعة ، وإيرادها بهذا العنوان وهذا العدد تمهيد لما سيق له الكلام من الإنكار المتعلق بتحريم كل واحد من الذكر والأنثى وبما في بطنها ، وهو بدل من حمولة وفرشا ، منصوب بما نصبهما وجعله مفعولا لكلوا ، على أن قوله تعالى : " ولا تتبعوا ... " الآية معترض بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                      أو حالا من ما بمعنى مختلفة أو متعددة ، يأباه جزالة النظم الكريم ، لظهور أنه مسوق لتوضيح حال الأنعام بتفصيلها أولا إلى حمولة وفرش ، ثم بتفصيلها إلى ثمانية أزواج حاصلة من تفصيل الأولى إلى الإبل والبقر ، وتفصيل الثاني إلى الضأن والمعز ، ثم تفصيل كل من الأقسام الأربعة إلى الذكر والأنثى ، كل ذلك لتحرير المواد التي تقولوا فيها عليه سبحانه وتعالى بالتحليل والتحريم ، ثم تبكيتهم بإظهار كذبهم وافترائهم في كل مادة من تلك المواد ، بتوجيه الإنكار إليها مفصلة .

                                                                                                                                                                                                                                      و" اثنين " في قوله سبحانه وتعالى : من الضأن اثنين بدل من " ثمانية أزواج " منصوب بناصبه ، وهو العامل في من ; أي : أنشأ من الضأن زوجين : الكبش والنعجة . [ ص: 193 ]

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ : ( اثنان ) على الابتداء ، والضأن : اسم جنس كالإبل ، وجمعه : ضئين كأمير ، أو جمع ضائن ، كتاجر وتجر ، وقرئ بفتح الهمزة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن المعز اثنين عطف على مثله شريك له في حكمه ; أي : وأنشأ من المعز زوجين : التيس والعنز . وقرئ بفتح العين ، وهو جمع ماعز ، كصاحب وصحب ، وحارس وحرس ، وقرئ : ( ومن المعزى ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذه الأزواج الأربعة تفصيل للفرش ، ولعل تقديمها في التفصيل مع تأخر أصلها في الإجمال ، لكون هذين النوعين عرضة للأكل الذي هو معظم ما يتعلق به الحل والحرمة ، وهو السر في الاقتصار على الأمر به في قوله تعالى : " كلوا مما رزقكم الله " من غير تعرض للانتفاع بالحمل والركوب ، وغير ذلك مما حرموه في السائبة وأخواتها .

                                                                                                                                                                                                                                      قل تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إثر تفصيل أنواع الأنعام التي أنشأها ; أي : قل تبكيتا لهم وإظهارا لانقطاعهم عن الجواب .

                                                                                                                                                                                                                                      آلذكرين من ذينك النوعين ، وهما الكبش والتيس .

                                                                                                                                                                                                                                      حرم ; أي : الله عز وجل كما تزعمون أنه هو المحرم .

                                                                                                                                                                                                                                      أم الأنثيين هما النعجة والعنز ، ونصب الذكرين والأنثيين بحرم ، وهو مؤخر عنهما بحسب المعنى ، وإن توسط بينهما صورة .

                                                                                                                                                                                                                                      وكذا قوله تعالى : أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ; أي : أم ما حملت إناث النوعين حرم ، ذكرا كان أو أنثى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : نبئوني بعلم ... إلخ ، تكرير للإلزام وتثنية للتبكيت والإفحام ; أي : أخبروني بأمر معلوم من جهة الله تعالى من الكتاب ، أو أخبار الأنبياء ، يدل على أنه تعالى حرم شيئا مما ذكر ، أو نبئوني تنبئة ملتبسة بعلم صادرة عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      إن كنتم صادقين ; أي : في دعوى التحريم عليه سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية