الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا سليمان ، ثنا عبيد بن محمد الصنعاني ، ثنا همام بن مسلمة بن عقبة ، ثنا [ ص: 25 ] غوث بن جابر ، ثنا عقيل بن معقل ، قال : سمعت عمي وهب بن منبه يقول : لا يشكن ابن آدم أن الله عز وجل يوقع الأرزاق متفاضلة ومختلفة ، فإن تقلل ابن آدم شيئا من رزقه فليزده رغبة إلى الله عز وجل ، ولا يقولن : لو اطلع الله هذا وشعر به غيره ، فكيف لا يطلع الله الشيء الذي هو خلقه وقدره ؟! أولا يعتبر ابن آدم في غير ذلك مما يتفاضل فيه الناس ، فإن الله فضل بينهم في الأجسام والألوان والعقول والأحلام ، فلا يكبر على ابن آدم أن يفضل الله عليه في الرزق والمعيشة ، ولا يكبر عليه أنه قد فضل عليه في علمه وعقله ، أولا يعلم ابن آدم أن الذي رزقه في ثلاثة آوان من عمره لم يكن له في واحد منهن كسب ولا حيلة ، أنه سوف يرزقه في الزمن الرابع ، أول زمن من أزمانه حين كان في رحم أمه يخلق فيه ويرزق من غير مال كسبه في قرار مكين ، لا يؤذيه فيه حر ولا قر ، ولا شيء يهمه ، ثم أراد الله أن يحوله من تلك المنزلة إلى غيرها ويحدث له في الزمن الثاني رزقا من أمه يكفيه ويغنيه من غير حول ولا قوة ، ثم أراد الله أن يعصمه من ذلك اللبن ويحوله في الزمن الثالث في رزق يحدثه له من كسب أبويه يجعل له الرحمة في قلوبهما حتى يؤثراه على أنفسهما بكسبهما ويستعنيا روحه بما يعنيهما ، لا يعنيهما في شيء من ذلك بكسب ولا حيلة يحتالها حتى يعقل ويحدث نفسه أن له حيلة وكسبا ، فإنه لن يغنيه في الزمن الرابع إلا من أغناه ورزقه في الأزمان الثلاثة التي قبلها ، فلا مقال له ولا معذرة إلا برحمة الله ، هو الذي خلقه ، فإن ابن آدم كثير الشك يقصر به حلمه وعقله عن علم الله ، ولا يتفكر في أمره ، ولو تفكر حتى يفهم ، ويفهم حتى يعلم علم أن علامة الله التي بها يعرف خلقه الذي خلق ، ورزقه لما خلق .

              حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ، ثنا سعيد بن سليمان ، عن فرج بن فضالة ، عن عطاء الخراساني ، قال : لقيت وهب بن منبه في الطريق فقلت : حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي وأوجز ، قال : أوحى الله [ ص: 26 ] إلى داود : يا داود ، أما وعزتي وعظمتي لا يشعر بي عبد من عبادي دون خلقي أعلم ذلك من نيته فتكيده السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن ، إلا جعلت له منهن فرجا ومخرجا ، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني أعلم ذاك من نيته إلا قطعت أسباب السماوات من يده ، وأرضخت الأرض من تحته ولا أبالي في أي واد هلك .

              حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن يحيى المروزي ، ثنا أبو بلال الأشعري ، ثنا أبو هشام الصنعاني ، حدثني عبد الصمد بن معقل ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : وجدت في بعض الكتب أن الله يقول : كفى بي للعبد مالا إذا كان عبدي في طاعتي أعطيته من قبل أن يسألني وأستجيب له من قبل أن يدعوني ، فإني أعلم بحاجته التي ترفق به من نفسه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية