الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5605 [ ص: 189 ] 88 - باب: التصاوير

                                                                                                                                                                                                                              5949 - حدثنا آدم، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن أبي طلحة - رضي الله عنهم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير".

                                                                                                                                                                                                                              وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله، سمع ابن عباس: سمعت أبا طلحة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - . [انظر: 3225 - مسلم: 2106 - فتح: 10 \ 380]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - ، عن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تصاوير".

                                                                                                                                                                                                                              وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله، أنه سمع ابن عباس: سمعت أبا طلحة: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              الحديث الأول رواه عن آدم، ثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن (عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة، عن ابن عباس، عن أبي طلحة، ثم ذكر تعليق الليث، وكذا قال خلف في "أطرافه" قال البخاري في اللباس: ثنا آدم، ثنا ابن أبي ذئب، وقال الليث: حدثني يونس. وفي المغازي: ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن معمر كلاهما عن الزهري به.

                                                                                                                                                                                                                              وادعى ابن وضاح ثم الدوادي وجماعة من الفقهاء: أن الملائكة في هذا الحديث ملائكة الوحي مثل جبريل وإسرافيل، فأما الحفظة فيدخلون كل بيت ولا يفارقان الإنسان على كل حال، إلا عند الخلاء والجماع،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 190 ] كما ورد في الحديث ، وعبارة بعضهم: المراد ملائكة يطوفون بالرحمة والاستغفار دون الحفظة.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: أراد: لا تدخله الملائكة كدخولهم لو لم يكن في البيت صورة، نحو قوله - عليه السلام - : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: أراد: لا يدخله أحد غير الحفظة.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وإنما لم تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة مما يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب صيد أو زرع أو ماشية فليس داخلا في هذا.

                                                                                                                                                                                                                              والصورة: كل ما يصور من الحيوان سواء في ذلك المنصوبة القائمة التي لها أشخاص، وما لا شخص له من المنقوشة في الجدر، والمصورة فيها، وفي الفرش والأنماط، وقد رخص بعض العلماء فيما كان فيها في الأنماط التي توطأ وتداس (بالأرجل ) .

                                                                                                                                                                                                                              وقال النووي: الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع، لإطلاق الأحاديث، وسبب امتناعهم من دخول بيت فيه كلب: كثرة أكله النجاسة، وبعضهم يسمى شيطانا، والملائكة ضد الشياطين والقبح رائحته، والملائكة يكرهون الرائحة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 191 ] الخبيثة; ولأن الإنسان منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السني من حديث مجاهد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: استأذن جبريل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادخل" فقال: وكيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رءوسها، أو تجعل بساطا يوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير . وأخرجه أبو داود.

                                                                                                                                                                                                                              وقال جبريل: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت، إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام (ستر) فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في باب البيت فيصير كهيئة الشجرة، فمر بالستر فيقطع فتجعل منه وسادتان منبوذتان يوطآن، ومر بالكلب فليخرج، وكان لحسن أو لحسين فأمر به فأخرج .

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال أصحابنا وغيرهم: يحرم تصوير صورة الحيوان حراما شديد التحريم وهو من الكبائر، وسواء صنعه لما يمتهن أو لغيره فحرام بكل حال; لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء كان في ثوب أم بساط أم دينار ودرهم وفلس وإناء وحائط، وأما ما ليس فيه صورة حيوان كالشجر والرحال وشبههما فليس بحرام، هذا كله حكم المصور.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 192 ] فأما اتخاذ المصور فيه حيوان، فإن كان معلقا على حائط، أو ثوبا ملبوسا، أو عمامة، أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس، أو مخدة، أو وسادة مما يمتهن فليس بحرام، ولا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له. هذا تلخيص مذهبنا.

                                                                                                                                                                                                                              وبمعناه قال (جماهير) العلماء: (ومذهب مالك والثوري وأبو حنيفة غيرهم) .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بما ليس له ظل، وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر - عليه السلام - الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم وليس لصورته ظل مع ما في الأحاديث المطلقة في كل صورة.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الزهري: النهي في الصورة على العموم، وكذلك استعمال ما هي فيه، ودخول البيت الذي هي فيه سواء كانت رقما في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، عملا بظاهر الأحاديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقما في ثوب، سواء امتهن أم لا، وسواء علق في حائط، وكرهوا ما كان له ظل أو كان مصورا في الحيطان وشبهها، وأجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره.

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي: إلا ما ورد في لعب البنات، وكان مالك يكره شراء ذلك لبنته، وادعى بعضهم إباحة اللعب منسوخة بهذه الأحاديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 193 ] قال الطبري: فإن قيل: أحرام دخول البيت الذي فيه التماثيل والصور؟

                                                                                                                                                                                                                              قيل: هو مكروه أعني: ما له (روح) وينصب ولا يمتهن، وأما ما كان من ذلك علما في ثوب أو رقما له، وكان مما يوطأ ويجلس عليه فلا بأس به وما كان مما ينصبه، فإن كان من صورة لا روح فيها، فلا بأس به، وإلا فلا أستحسنه.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان لنا ستر فيه تمثال طير مستقبل البيت، فقال - عليه السلام - : "حوليه، فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا" قالت: وكان لنا قطيفة فيها علم حرير وكنا نلبسها . فلم يقطعه ولم يأمر عائشة بفساد تمثال الطير الذي كان في الستر، ولكنه أمر بتنحيته عن موضعه الذي كان معلقا فيه من أجل كراهيته لرؤيته لما يذكر من الدنيا وزينتها.

                                                                                                                                                                                                                              وفي قوله: "فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا" دليل بين أنه كان يدخل البيت الذي ذلك فيه فيراه ولا ينهى عائشة عن تعليقه، وذلك يبين صحة ما قلناه من أن ذلك إذا كان رقما في ثوب أو علما فيه، فإنه يخالف معنى ما كان منه مثالا ممثلا قائما بنفسه.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة أن الحسن قال: أولم يكن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلون الحانات وفيها التصاوير؟ و (عن أبي الضحى) قال: دخلت مع مسروق بيتا فيه تماثيل فنظر إلى تمثال منها فقال: ما هذا؟ قالوا: تمثال مريم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 194 ] وقال مغيرة: كان في بيت إبراهيم تابوت فيه تماثيل.

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية حماد عنه: لا بأس بالتمثال في حلية السيف، ولا بأس بها في سماء البيت، إنما يكره منها ما نصب نصبا يعني: الصورة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية