الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          896 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          وللمحرم أن يشد المنطقة على إزاره إن شاء أو على جلده ويحتزم بما شاء ، ويحمل خرجه على رأسه ، ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء ، ويحمل ما شاء من الحمولة على رأسه ، ويعصب على رأسه لصداع ، أو لجرح ، ويجبر كسر ذراعه ، أو ساقه ، ويعصب على جراحه ، وخراجه ، وقرحه ، ولا شيء عليه في كل شيء من ذلك ، ويحرم في أي لون شاء حاشا ما صبغ بورس ، أو زعفران لأنه لم ينهه عن شيء مما ذكرنا قرآن ، ولا سنة { وما كان ربك نسيا } إلا أننا روينا من طريق وكيع عن ابن أبي ذئب عن صالح عن أبي حسان { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى محرما محتزما بحبل فقال : يا صاحب الحبل ألقه } .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى ابن أبي ذئب عن مسلم بن جندب : سمعت ابن عمر يقول : لا تعقد عليك شيئا وأنت محرم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أنه كره الهميان للمحرم - فأما الأثر فمرسل لا حجة فيه . [ ص: 296 ]

                                                                                                                                                                                          وقد روينا من طريق عبد الرزاق عن الأسلمي عمن سمع صالحا مولى التوأمة أنه سمع ابن عباس يقول : { رخص رسول الله عليه السلام في الهميان للمحرم } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : كلاهما وتمرة - وأما ابن عمر فقد روي عنه وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم خلاف هذا .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا ابن فضيل عن ليث عن عطاء ، وطاوس قالا جميعا : رأينا ابن عمر قد شد حقويه بعمامة وهو محرم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور عن هشيم : أنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة أم المؤمنين : أنها كانت ترخص في الهميان يشده المحرم على حقويه ، وفي المنطقة أيضا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن سفيان عن حميد الأعرج عن عطاء عن ابن عباس قال في الهميان للمحرم : لا بأس به .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن منصور عن مجاهد قال : رأيت ابن الزبير جاء حاجا فرمل حتى رأيت منطقته قد انقطعت على بطنه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : لا شك أن ابن الزبير لم يكن مضطرا إلى إحراز نفقته ، وابن عمر لم يجعل في ذلك شيئا - ورأى مالك على من عصب رأسه فدية .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن عمر : لا يعصب المحرم رأسه بسير ولا بخرقة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن أبي داود الطيالسي عن أبي معشر عن عبد الرحمن بن يسار قال : رأيت ابن عباس قد شد شعره بسير وهو محرم وكلاهما لم يجعل فيه شيئا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان هو ابن عيينة - عن عمرو بن دينار قلت لجابر بن زيد أبي الشعثاء : ينحل إزاري يوم عرفة ؟ قال : اعقده .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا خالد بن عبد الله عن العلاء بن المسيب عن الحكم بن عتيبة : أنه كان لا يرى بأسا أن يتوشح المحرم بثوبه ويعقده على قفاه . [ ص: 297 ]

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم عن يونس عن الحسن البصري أنه لم ير بأسا أن يعقد المحرم ثوبه على نفسه .

                                                                                                                                                                                          وأباح لباس الهميان للمحرم : محمد بن كعب ، وعطاء ، وطاوس ، ومحمد بن علي ، وإبراهيم ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والقاسم بن محمد - وكرهه آخرون .

                                                                                                                                                                                          وعن سعيد بن جبير أنه أباح للمحرم ينكسر ظفره : أن يجعل عليه مرارة ولم يأمر في ذلك بشيء .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا أبو الأحوص نا منصور عن إبراهيم ومجاهد قالا جميعا : يجبر المحرم عظمه إذا انكسر ، قالا : وليس عليه في ذلك كفارة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد قال : إذا انكسرت يد المحرم ، أو شج عصب على الشج والكسر وعقد عليه ، ولم يجعل في ذلك شيئا .

                                                                                                                                                                                          وعن محمد بن علي ، وسعيد بن المسيب : لا بأس أن يعقد المحرم - : قال محمد : على القرحة .

                                                                                                                                                                                          وقال ابن المسيب : على الجرح .

                                                                                                                                                                                          وأباح أبو حنيفة ، والشافعي ، وأبو سليمان للمحرم : الهميان والمنطقة ، وأن يحمل الخرج على رأسه ، ونحو ذلك ، ولم يروا فيه بأسا .

                                                                                                                                                                                          وأباح مالك لباس المنطقة للمحرم إذا كانت فيها نفقته ، ومنعه لباسها إذا كانت فيها نفقة غيره .

                                                                                                                                                                                          وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك الفدية .

                                                                                                                                                                                          ومنع مالك من شد المنطقة على العضد للمحرم ، وأباح شدها على جلده ، ومنع من شدها فوق الإزار .

                                                                                                                                                                                          وجعل ابن القاسم صاحبه في ذلك فدية - فأقوال متناقضة لا دليل على صحة شيء منها ، ولا نعلم أحدا قال بها قبلهما .

                                                                                                                                                                                          ومنع مالك المحرم من حمل خرج لغيره على رأسه ، ورأى عليه في ذلك فدية ، وأباح له حمله على رأسه إذا كان له - وهذا فرق فاسد لا نعلمه أيضا عن أحد قبله . [ ص: 298 ]

                                                                                                                                                                                          وقد روي عن عطاء إباحة حمل المحرم المكتل على رأسه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحسين قال : رأى عمر على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو محرم فقال : ما هذا ؟ فقال علي بن أبي طالب : ما أخال أحدا يعلمنا السنة ؟ فسكت عمر .

                                                                                                                                                                                          وعن سالم بن عبد الله بن عمر أنه لبس ثوبا موردا وهو محرم .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : قد روي عن عمر أنه أنكر على طلحة لباس ثوب مصبوغ للمحرم ؟ قلنا : أنتم أول من خالف عمر في ذلك فلم تنكروه ؟ ولا رأيتم فيه شيئا - وهذا مما تركوا فيه القياس فأباحوا المصبغات ولم يقيسوها على الورس والمعصفر ، كما قاسوا كل من أماط به أذى على حالق رأسه ، وكما قاسوا جارح الصيد على قاتله ; وكما أوجبوها على من لبس قميصا أو عمامة .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية