الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      قرأ جمهور القراء " كما تقولون " بتاء الخطاب . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم كما يقولون [ 17 \ 42 ] بياء الغيبة . وفي معنى هذه الآية الكريمة وجهان من التفسير ، كلاهما حق ويشهد له قرآن . وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك : أن الآية قد يكون فيها وجهان كلاهما حق ، وكلاهما يشهد له قرآن ، فنذكر الجميع لأنه كله حق .

                                                                                                                                                                                                                                      الأول من الوجهين المذكورين : أن معنى الآية الكريمة : لو كان مع الله آلهة أخرى كما يزعم الكفار لابتغوا ( أي الآلهة المزعومة ) أي لطلبوا إلى ذي العرش ( أي إلى الله ) سبيلا ; أي إلى مغالبته وإزالة ملكه ، لأنهم إذا يكونون شركاءه كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض . سبحان الله وتعالى عن ذلك علوا كبيرا !

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا القول في معنى الآية هو الظاهر عندي ، وهو المتبادر من معنى الآية الكريمة ، ومن الآيات الشاهدة لهذا المعنى قوله تعالى : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون [ 23 \ 91 ، 92 ] ، وقوله : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون [ 21 \ 22 ] وهذا المعنى في الآية مروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وأبي علي الفارسي ، والنقاش ، وأبي منصور ، وغيره من المتكلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني في معنى الآية الكريمة : أن المعنى لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا [ ص: 159 ] أي : طريقا ووسيلة تقربهم إليه لاعترافهم بفضله ، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه الآية [ 17 \ 57 ] ، ويروى هذا القول عن قتادة ، واقتصر عليه ابن كثير في تفسيره .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك أن المعنى الظاهر المتبادر من الآية بحسب اللغة العربية هو القول الأول ; لأن في الآية فرض المحال ، والمحال المفروض الذي هو وجود آلهة مع الله مشاركة له ، لا يظهر معه أنها تتقرب إليه ، بل تنازعه لو كانت موجودة ، ولكنها معدومة مستحيلة الوجود ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية