الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 666 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إمارة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وعند ابن حزم وطائفة أنه أمير المؤمنين آنذاك

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد قدمنا أنه لما مات يزيد أقلع الجيش عن مكة ، وهم الذين كانوا يحاصرون ابن الزبير وهو عائذ بالبيت ، مع أميرهم حصين بن نمير السكوني ورجعوا عن مكة إلى الشام واستفحل أمر عبد الله بن الزبير بالحجاز وما والاها ، وبايعه الناس بعد يزيد بيعة عامة هناك ، واستناب على المدينة أخاه عبيدة بن الزبير ، وأمره بإجلاء بني أمية عن المدينة ، فأجلاهم فرحلوا إلى الشام ، وفيهم مروان وابنه عبد الملك ، ثم بعث أهل البصرة إلى ابن الزبير بعد حروب جرت بينهم وفتن كثيرة يطول استقصاؤها ، غير أنهم في أقل من ستة أشهر أقاموا عليهم نحوا من أربعة أمراء من بينهم ، ثم اضطربت أمورهم ، ثم بعثوا إلى ابن الزبير ، وهو بمكة يجلبونه إلى أنفسهم ، فكتب إلى أنس بن مالك ليصلي بهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 667 ] وبعث ابن الزبير إلى أهل الكوفة عبد الله بن يزيد الأنصاري على الصلاة ، وإبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله على الخراج ، واستوثق له المصران جميعا ، وأرسل إلى أهل مصر فبايعوه . واستناب عليها عبد الرحمن بن جحدم ، وأطاعت له الجزيرة . وبعث على البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة ، وبعث إلى اليمن فبايعوه ، وإلى خراسان فبايعوه ، وإلى الضحاك بن قيس بالشام فبايع ، وقيل : إن أهل دمشق وأعمالها من بلاد الأردن لم يبايعوه ; لأنهم بايعوا مروان بن الحكم لما رجع الحصين بن نمير من مكة إلى الشام ، وكان قد التف على عبد الله بن الزبير جماعة من الخوارج يدافعون عنه ; منهم نافع بن الأزرق وعبد الله بن إباض ، وجماعة من رءوسهم ، فلما استقر أمره في الخلافة قالوا فيما بينهم : إنكم قد أخطأتم ; لأنكم قاتلتم مع هذا الرجل ، ولم تعلموا رأيه في عثمان بن عفان . وكانوا ينتقصون عثمان ، فاجتمعوا إليه فسألوه عن عثمان ، فأجابهم فيه بما يسوءهم ، وذكر لهم ما كان متصفا به من الإيمان والتصديق ، والعدل والإحسان والسيرة الحسنة ، والرجوع إلى الحق إذا تبين له ، فعند ذلك نفروا عنه ، وفارقوه ، وقصدوا بلاد العراق وخراسان ، فتفرقوا فيها بأبدانهم وأديانهم ومذاهبهم [ ص: 668 ] ومسالكهم المختلفة المنتشرة ، التي لا تنضبط ولا تنحصر ; لأنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس ، والاعتقاد الفاسد ، ومع هذا استحوذوا على كثير من البلدان والكور ، حتى انتزعت منهم بعد ذلك ، على ما سنذكره فيما بعد إن شاء الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية