الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) وفي الآية مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ أبو السمال "زللتم" بكسر اللام الأولى ، وهما لغتان كضللت وضللت .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : يقال : زل يزل زلولا وزلزالا إذا دحضت قدمه وزل في الطين ، ويقال لمن زل في حال كان عليها : زلت به الحال ، ويسمى الذنب زلة ، يريدون به الزلة للزوال عن الواجب ، فقوله : ( فإن زللتم ) أي [ ص: 179 ] أخطأتم الحق وتعديتموه ، وأما سبب نزول هذه الآية فقد اختلفوا في السلم كافة ، فمن قال في الأول : إنه في المنافقين ، فكذا الثاني ، ومن قال : إنه في أهل الكتاب فكذا الثاني ، وقس الباقي عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            يروى عن ابن عباس : ( فإن زللتم ) في تحريم السبت ولحم الإبل ( من بعد ما جاءتكم البينات ) محمد صلى الله عليه وسلم وشرائعه ( فاعلموا أن الله عزيز ) بالنقمة ( حكيم ) في كل أفعاله ، فعند هذا قالوا : لئن شئت يا رسول الله لنتركن كل كتاب غير كتابك ، فأنزل الله تعالى ( ياأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) [النساء : 136] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله : ( فإن زللتم ) فيه سؤال وهو أن الحكم المشروط إنما يحسن في حق من لا يكون عارفا بعواقب الأمور ، وأجاب قتادة عن ذلك فقال : قد علم أنهم سيزلون ، ولكنه تعالى قدم ذلك وأوعد فيه لكي يكون له حجة على خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قوله تعالى : ( فإن زللتم ) يعني إن انحرفتم عن الطريق الذي أمرتم به ، وعلى هذا التقدير يدخل في هذا الكبائر والصغائر ، فإن الانحراف كما يحصل بالكثير يحصل بالقليل . فتوعد تعالى على كل ذلك زجرا لهم عن الزوال عن المنهاج لكي يتحرز المؤمن عن قليل ذلك وكثيره لأن ما كان من جملة الكبائر فلا شك في وجوب الاحتراز عنه ، وما لم يعلم كونه من الكبائر فإنه لا يؤمن كون العقاب مستحقا به ، وحينئذ يجب الاحتراز عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية