الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1522 [ ص: 332 ] [ ص: 333 ] حديث أول لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الولاء وعن هبته .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث ، عن مالك جماعة الرواة - فيما علمت - وكذلك هو في الموطأ ، إلا أن محمد بن سليمان رواه عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الولاء لا يباع ولا يوهب ولم يتابعه أحد على ذلك .

وقد روى هذا الحديث شعبة ، والثوري ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ، وجماعة يطول ذكرهم من الأئمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكروا عمر ، وروى هذا الحديث ابن الماجشون ، عن [ ص: 334 ] مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وذلك خطأ لم يتابع ابن الماجشون عليه ، والصواب فيه : مالك ، عن عبد الله بن دينار ، لا عن نافع ، والله أعلم .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء ، حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا أحمد بن نصر ، حدثنا أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته واختلافهم في بيع ولاء المكاتب وهبته ، أو اشتراط المكاتب لولاء نفسه باب آخر .

روى قتادة ، عن ابن المسيب ، أنه كان لا يرى بأسا ببيع الولاء إذا كان من المكاتبة ، ويكرهه إذا كان من عتق .

وسفيان وحماد ، عن عمرو بن دينار ، قال : وهبت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولاء سليمان بن يسار لابن عباس ، وكان مكاتبا .

ومعمر ، عن قتادة ، قال : لا يباع الولاء إلا رجل كوتب ، فإن اشترط في كتابته أن أوالي من شئت فهو جائز . ومعمر ، عن قتادة ، عن ابن المسيب أن النبي عليه السلام مر [ ص: 335 ] برجل يكاتب عبدا ، فقال له النبي عليه السلام : اشترط ولاءه قال : وكان قتادة يقول : من لم يشترط ولاء مكاتبه ، والى المكاتب من شاء حين يعتق .

وقال مكحول : لا يباع الولاء ، إلا أن المكاتب إذا اشترط ولاءه مع رقبته جاز ، وعن سعيد بن عبد العزيز مثله .

وقال ابن جريج : كان عطاء يجيز هبة الولاء ، ثم رجع عنه فقال : لا يباع الولاء ولا يوهب ، إلا أن من أذن لمولاه أن يتولى من شاء جاز ذلك ; لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من تولى قوما بغير إذن مواليه قلت لعطاء : رجل كاتب عبده ، ولم يشترط سيده أن ولاءك لي ، لمن ولاؤه ؟ قال : لسيده ، وقاله عمرو بن دينار ، وقال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم : ولاء المكاتب لسيده ليس له أن يشترطه لنفسه ، ولا أن يوالي غيره إذا أدى الكتابة إليه أو إلى ورثته من بعده ، وهذا الحديث إنما انفرد به عبد الله بن دينار ، واحتاج الناس فيه إليه ، وهو حديث عليه العمل عند أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين .

وقد روي عن عثمان بن عفان إجازة ذلك ، وروي عن ابن عباس إجازة هبة الولاء ، ولم يجز بيعه ، وأن عمرو بن حزم وهب ولاء مولى له لابنه محمد دون عبد الرحمن ، وأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قضى بجواز هبة الولاء [ ص: 336 ] وذكر حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه أنه اشترى ولاء طهمان وبنيه لبني مصعب بن الزبير .

وذكر حماد بن سلمة أيضا ، عن عمرو بن دينار أن ميمونة بنت الحرث وهبت ولاء مواليها للعباس ، فولاؤهم لهم اليوم ، وقد روي عن ميمونة أنها وهبت ولاء سليمان بن يسار مولاها لعبد الله بن عباس .

وقد روى أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا قيس ، عن ليث ، عن عطاء بن السائب ، أن علقمة ، والأسود ، وأبا نضيلة ، وابن معقل ، رخصوا لسالم بن أبي الجعد أن يبيع ولاء مولى له بعشرة آلاف يستعين بها على عبادته ، وهذا عند أهل العلم مأخوذ به ، والذي عليه جماعة العلماء أن الولاء كالنسب ، لا يباع ولا يوهب ، وقد جاء عن ابن عباس في ذلك ما يرد قصة ميمونة .

ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : الولاء لمن أعتق ، لا يجوز بيعه ولا هبته . وعن الثوري ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : سئل عبد الله بن مسعود ، عن بيع الولاء ، قال : أيبيع [ ص: 337 ] أحدكم نسبه ؟ وهذا عن ابن مسعود يرد ما روي عن علقمة والأسود ، وذكر عبد الرزاق أيضا ، عن ابن عيينة ، عن مسعر ، عن عبد الله بن رباح ، عن عبد الله بن معقل ، عن علي رضي الله عنه ، قال : الولاء شعبة من النسب من أحرز الولاء أحرز الميراث ، وعن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن علي ، قال : لا يباع الولاء ولا يوهب .

وعن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يكره بيع الولاء وهبته . قال ابن جريج : وسمعت عطاء يقول : كان ابن عباس ينكر بيع الولاء . وعن ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنه كان ينكر بيع الولاء ويكرهه كراهية شديدة ، وأن يوالي أحد غير مواليه وأن يهبه .

وعن الثوري ، عن داود ، عن ابن المسيب ، قال : الولاء لحمة كالنسب ، لا يباع ولا يوهب ، وقد مضى القول في كثير من مسائل الولاء في باب ربيعة من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة شيء من ذلك هاهنا .

[ ص: 338 ] وفي نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الغرر ما يشهد لصحة ما ذهب إليه الفقهاء في هذا الباب وأن من خالفه محجوج ; لأن الحجة به قائمة ; لأنه لم يرو عن النبي عليه السلام ما يخالفه فثبتت الحجة به ، وروى ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع أن ابن عمر كان ينكر أن يتولى أحد غير مولاه وأن يهب ولاءه .

وروى ابن وهب ، عن مالك أنه قال : لا يجوز لسيد أن يأذن لمولاه أن يوالي من شاء ; لأنها هبة الولاء ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته ، وقد رخصت طائفة من العلماء أن يتولى المعتق من شاء ، إذا أذن له سيده ، فمنهم : إبراهيم النخعي ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يحل أن يتولى مولى رجل مسلم بغير إذنه وممن قال : لا يجوز بيع الولاء ، ولا هبته من كتابة ولا غيرها - جابر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطاوس ، والحسن ، وابن سيرين ، وسويد بن غفلة ، والشعبي ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه وأحمد ، وعلي .




الخدمات العلمية