الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 231 ] باب تعجيل الكتابة

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ويجبر السيد على قبول النجم إذا عجله له المكاتب ، واحتج في ذلك بعمر بن الخطاب رحمة الله عليه ( قال الشافعي ) وإذا كانت دنانير أو دراهم أو مالا يتغير على طول المكث مثل الحديد والنحاس وما أشبه ذلك فأما ما يتغير على طول المكث أو كانت لحمولته مؤنة فليس عليه قبوله إلا في موضعه ، فإن كان في طريق بخرابة أو في بلد فيه نهب لم يلزمه قبوله إلا أن يكون في ذلك الموضع كاتبه فيلزمه قبوله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال . تعجيل مال الكتابة قبل نجومه كتعجيل السلم قبل حلوله ، وقد ذكرناه ، وجملته أنه لا يخلو مال الكتابة إذا عجله المكاتب قبل محله من أن يقبله السيد أو يمتنع منه ، فإن قبله عتق به المكاتب ، فإن قيل : فشرط العتق أداء المال عند محله ، فهلا امتنع وقوع العتق بدفعه قبل محله كما لو قال لعبده : إن دفعت إلي ألفا في شهر رمضان فأنت حر ، فدفعها في شعبان لم يعتق ؟ قيل : الفرق بينهما أن في الكتابة معاوضة يغلب حكمها على العتق بالصفة ، ولذلك عتق بالإبراء فكان أولى أن يعتق بالتقدم ، وليس كالعتق بالصفة المجردة التي يغلب فيها حكم الصفة دون العوض ، ألا تراه لو أبرأه فيها من المال لم يعتق ، وكذلك إذا قدمه قبل وقته ، وإن امتنع السيد من قبوله قبل محله ، فلا يخلو تأخير قبضه من أن يكون فيه غرض صحيح لقاصد أو لا يكون ، فإن كان في تأخير قبضه غرض معهود يصح لقاصد ، فقد يكون ذلك من أحد ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون طعاما رطبا إن ترك إلى أجله فسد .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون حيوانا يحتاج إلى مئونة أو يخاف عليه من موت .

                                                                                                                                            والثالث : أن يكون من الأموال الباقية التي يحتاج لإحرازها إلى محلها مئونة ، فلا يلزمه في هذه الأحوال الثلاثة أن يقبل ذلك قبل محله ، لما يلحقه من الضرر في تعجله ، وإن لم يكن له في تأخير قبضه غرض صحيح ، فهو أن يكون المال مأمون التلف معدوم المئونة كالفضة والذهب ، فعليه قبوله إذا كان الردى مأمونا ، لما رواه [ ص: 232 ] الشافعي في كتاب " الأم " وقد رواه أنس بن سيرين عن أبيه قال : كاتبني أنس بن مالك فاشتريت وبعت حتى ربحت مالا ، فجئت أنسا بكتابتي كلها ، فأبى أن يقبلها إلا نجوما ، فأتيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فذكرت ذلك له فقال : أراد أنس الميراث ، ثم كتب إليه فقبلها .

                                                                                                                                            وروى سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أن امرأة اشترته من سوق ذي المجاز ، وقدمت مكة فكاتبته على أربعين ألفا ، فأدى عامة المال ، ثم أتى بباقيه فقالت : لا والله حتى تأتي سنة بعد سنة ، وشهرا بعد شهر ، فخرج بالمال إلى عمر ، وأخبره بذلك فقال له : ضعه في بيت المال وراسلها بأخذ المال وعتق أبي سعيد ، فإن اخترت أخذه شهرا بشهر أو سنة بسنة ، فافعلي ، فأرسلت وأخذت المال .

                                                                                                                                            ولأن الأجل حق لمن عليه الدين لا على من له الدين ، ولذلك إذا باعه بدين زاد في الثمن ، وإذا باعه نقدا نقص منه ، فإذا عجل المؤجل فقد أسقط حقه ، وزاد خيرا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية