الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 338 ] النوع الرابع عشر

معرفة تقسيمه بحسب سوره

وترتيب السور والآيات وعددها


قال العلماء - رضي الله عنهم - : القرآن العزيز أربعة أقسام : الطول ، والمئون ، والمثاني ، [ ص: 339 ] [ ص: 340 ] [ ص: 341 ] والمفصل .

وقد جاء ذلك في حديث مرفوع أخرجه أبو عبيد من جهة سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة بن الأسقع ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أعطيت السبع الطول مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل .

وهو حديث غريب ، وسعيد بن بشير فيه لين ، وأخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن عمران ، عن قتادة به .

فالسبع الطول أولها " البقرة " ، وآخرها " براءة " ; لأنهم كانوا يعدون " الأنفال " و " براءة " سورة [ ص: 342 ] واحدة ، ولذلك لم يفصلوا بينهما ; لأنهما نزلتا جميعا في مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسميت طولا لطولها ، وحكي عن سعيد بن جبير أنه عد السبع الطول : " البقرة " ، و " آل عمران " ، و " النساء " ، و " المائدة " ، و " الأنعام " ، و " الأعراف " ، و " يونس " .

والطول - بضم الطاء - : جمع طولى ، كالكبر جمع كبرى ، قال أبو حيان التوحيدي : " وكسر الطاء مرذول " .

والمئون : ما ولي السبع الطول ; سميت بذلك لأن كل سورة منها تزيد على مائة آية أو تقاربها .

والمثاني : ما ولي المئين ; وقد تسمى سور القرآن كلها مثاني ، ومنه قوله تعالى : كتابا متشابها مثاني ( الزمر : 23 ) ، ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( الحجر : 87 ) .

وإنما سمي القرآن كله مثاني ; لأن الأنباء والقصص تثنى فيه . ويقال : إن المثاني في قوله تعالى : ولقد آتيناك سبعا من المثاني ( الحجر : 87 ) هي آيات سورة الحمد ، سماها مثاني لأنها تثنى في كل ركعة .

والمفصل : ما يلي المثاني من قصار السور ، سمي مفصلا لكثرة الفصول التي بين السور بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " وقيل : لقلة المنسوخ فيه . وآخره : قل أعوذ برب الناس ، وفي أوله اثنا عشر قولا :

أحدها : " الجاثية " .

ثانيها : " القتال " ، وعزاه الماوردي للأكثرين .

ثالثها : " الحجرات " .

رابعها : " ق " ، قيل : وهي أوله في مصحف عثمان - رضي الله عنه - وفيه حديث ذكره [ ص: 343 ] الخطابي في " غريبه " يرويه عيسى بن يونس ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن يعلى الطائفي ، قال : حدثني عثمان بن عبد الله بن أوس بن حذيفة ، عن جده ، أنه وفد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف ، فسمع من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحزب القرآن ، قال : وحزب المفصل من " ق " . وقيل : إن أحمد رواه في " المسند " ، وقال الماوردي في " تفسيره " : حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة ; للحديث المذكور .

الخامس : " الصافات " .

السادس : " الصف " .

السابع : تبارك ; حكى هذه الثلاثة ابن أبي الصيف اليمني في " نكت التنبيه " .

الثامن : إنا فتحنا لك حكاه الدزماري في شرح التنبيه المسمى " رفع التمويه " .

التاسع : الرحمن حكاه ابن السيد في " أماليه على الموطأ " ، وقال : إنه كذلك في [ ص: 344 ] مصحف ابن مسعود . قلت : رواه أحمد في " مسنده " كذلك .

العاشر : هل أتى على الإنسان حين من الدهر .

الحادي عشر : سبح حكاه ابن الفركاح في تعليقه عن المرزوقي .

الثاني عشر : والضحى وعزاه الماوردي لابن عباس ; حكاه الخطابي في " غريبه " ووجهه بأن القارئ يفصل بين هذه السور بالتكبير ، قال : وهو مذهب ابن عباس وقراء مكة .

والصحيح عند أهل الأثر أن أوله " ق " ، قال أبو داود في " سننه " في باب تحزيب القرآن : حدثنا مسدد ، حدثنا قران بن تمام ، ح وحدثنا عبد الله بن سعيد أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد سليمان بن حيان - وهذا لفظه - عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ، عن عثمان بن عبد الله بن أوس ، عن جده أوس ، قال عبد الله بن سعيد في حديث أوس بن حذيفة قال : قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد ثقيف ، قال : فنزلت الأحلاف على المغيرة بن شعبة ، وأنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبة له ، قال مسدد : وكان في الوفد الذين قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثقيف ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل ليلة بعد العشاء يحدثنا - قال أبو سعيد : قائما على رجليه ، ثم يقول : لا سواء ، كنا مستضعفين مستذلين - قال مسدد : بمكة - فلما خرجنا [ ص: 345 ] إلى المدينة كانت سجال الحرب بيننا وبينهم ، ندال عليهم ويدالون علينا ، فلما كانت ليلة ، أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه ، فقلت : لقد أبطأت علينا الليلة . قال : إنه طرأ علي حزبي من القرآن ; فكرهت أن أجيء حتى أتمه .

قال أوس : فسألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تحزبون القرآن ؟ فقالوا : ثلاث ، وخمس ، وسبع ، وتسع ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل وحده .

رواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي خالد الأحمر به ، ورواه أحمد في " مسنده " عن عبد الرحمن بن مهدي ، وأبو يعلى الطائفي به .

وحينئذ فإذا عددت ثمانيا وأربعين سورة كانت التي بعدهن سورة " ق " .

بيانه : ثلاث : " البقرة " ، و " آل عمران " ، و " النساء " ، وخمس : " المائدة " ، و " الأنعام " ، و " الأعراف " ، و " الأنفال " ، و " براءة " ، وسبع : " يونس " ، و " هود " ، و " يوسف " ، و " الرعد " ، و " إبراهيم " ، و " الحجر " ، و " النحل " ، وتسع : " سبحان و " الكهف " ، و " مريم " ، و " طه " ، و " الأنبياء " ، و " الحج " ، و " المؤمنون " ، و " النور " ، و " الفرقان " ، وإحدى عشرة : " الشعراء " ، و " النمل " ، و " القصص " ، و " العنكبوت " ، و " الروم " ، و " لقمان " ، والم السجدة " ، و " الأحزاب " ، و " سبأ " ، و " فاطر " ، و " يس " ، وثلاث عشرة : " الصافات " ، و " ص " ، و " الزمر " ، و " غافر " ، و " حم السجدة " ، و " حم عسق " ، و " الزخرف " ، و " الدخان " و " الجاثية " و " الأحقاف " ، و " القتال " ، و " الفتح " ، و " الحجرات " ، ثم بعد ذلك حزب المفصل ، وأوله سورة " ق " ، وأما " آل حم " فإنه يقال : إن حم اسم من أسماء الله تعالى ، أضيفت هذه السورة إليه ، كما قيل : سور الله ; لفضلها وشرفها ، وكما قيل : بيت الله ، قال الكميت :

[ ص: 246 ]

وجدنا لكم في آل حم آية تأولها منا تقي ومعرب

وقد يجعل اسما للسورة ، ويدخل الإعراب عليها ويصرف ، ومن قال هذا قال في الجمع : الحواميم ; كما يقال : طس والطواسين . وكره بعض السلف - منهم محمد بن سيرين - أن يقال : الحواميم ; وإنما يقال : " آل حم " .

قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " آل حم ديباج القرآن " .

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " إن لكل شيء لبابا ; ولباب القرآن حم ، أو قال : الحواميم " .

وقال مسعر بن كدام : " كان يقال لهن العرائس " ذكر ذلك كله أبو عبيد في " فضائل القرآن " .

وقال حميد بن زنجويه : " ثنا عبد الله ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن أبي عبد الله ، قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد منزلا ، فمر بأثر غيث ، فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات ; فقال : عجبت من الغيث الأول ، فهذا أعجب [ ص: 347 ] وأعجب ; فقيل له : إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن ; وإن مثل هؤلاء الروضات مثل " حم " في القرآن . أورده البغوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية