الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب الحث على تسوية الصفوف ورصها وسد خللها

                                                                                                                                            1128 - ( عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة } ) .

                                                                                                                                            1129 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول : تراصوا واعتدلوا } . متفق عليهما ) .

                                                                                                                                            1130 - ( وعن النعمان بن بشير قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا كأنما يسوي به القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ، ثم خرج يوما فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلا باديا صدره من الصف ، فقال : عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } رواه الجماعة إلا البخاري فإن له منه : { لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم } ولأحمد وأبي داود في رواية قال : [ ص: 223 ] فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه ، وركبته بركبته ، ومنكبه بمنكبه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            وفي الباب غير ما ذكره المصنف عند أحمد وأبي داود والنسائي قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصف من ناحية إلى ناحية يمسح صدورنا ومناكبنا ويقول : لا تختلفوا فتختلف قلوبكم } الحديث وعن أبي هريرة عند مسلم . وعن جابر بن عبد الله عند عبد الرزاق . وعن ابن عمر عند أحمد وأبي داود . قوله : ( سووا صفوفكم ) فيه أن تسوية الصفوف واجبة

                                                                                                                                            قوله : ( فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ) في لفظ البخاري " من إقامة الصلاة " والمراد بالصف : الجنس . وفي رواية : " فإن تسوية الصفوف " ، وقد استدل ابن حزم بذلك على وجوب التسوية ، قال : لأن إقامة الصلاة واجبة ، وكل شيء من الواجب واجب ، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب وروي عن عمر وبلال ما يدل على الوجوب عندهما لأنهما كانا يضربان الأقدام على ذلك

                                                                                                                                            قال في الفتح : ولا يخفى ما فيه لا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة ، يعني أنه رواها بعضهم بلفظ : " من تمام الصلاة " كما تقدم

                                                                                                                                            واستدل ابن بطال بما في البخاري من حديث أبي هريرة بلفظ : { فإن إقامة الصف من حسن الصلاة } على أن التسوية سنة ، قال : لأن حسن الشيء زيادة على تمامه . وأورد عليه رواية : " من تمام الصلاة " وأجاب ابن دقيق العيد فقال : قد يؤخذ من قوله : " تمام الصلاة " الاستحباب ; لأن تمام الشيء في العرف أمر خارج عن حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على ما لا تتم الحقيقة إلا به . ورد بأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي ، وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث

                                                                                                                                            قوله : ( تراصوا ) بتشديد الصاد المهملة : أي تلاصقوا بغير خلل ، وفيه جواز الكلام بين الإقامة والدخول في الصلاة . قوله : ( لتسون ) بضم التاء المثناة من فوق وفتح السين وضم الواو وتشديد النون . قال البيضاوي : هذه اللام التي يتلقى بها القسم ، والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة . قوله : ( أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) أي إن لم تسووا ، والمراد بتسوية الصفوف : اعتدال القائمين بها على سمت واحد ، ويراد بها أيضا سد الخلل الذي في الصف

                                                                                                                                            واختلف في الوعيد المذكور فقيل : هو على حقيقته ، والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن موضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك ، فهو نظير ما تقدم فيمن رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار . وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة

                                                                                                                                            قال في الفتح : وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام ، ويؤيد الوجوب حديث أبي أمامة بلفظ : { لتسون الصفوف أو لتطمسن [ ص: 224 ] الوجوه } أخرجه أحمد وفي إسناده ضعف . ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز

                                                                                                                                            قال النووي : معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول : تغير وجه فلان أي ظهر لي من وجهه كراهة ; لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم ، واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ، ويؤيده رواية أبي داود بلفظ : { أو ليخالفن الله بين قلوبكم } وقال القرطبي : معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجها غير الذي يأخذه صاحبه ; لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة . والحاصل أن المراد بالوجه إن حمل على العضو المخصوص فالمخالفة إما بحسب الصورة الإنسانية أو الصفة أو جعل القدام وراء ، وإن حمل على ذات الشخص فالمخالفة بحسب المقاصد أشار إلى ذلك الكرماني

                                                                                                                                            ويحتمل أن يراد المخالفة في الجزاء فيجازي المسوي بخير ومن لا يسوي بشر . قوله : ( كأنما يسوي بها القداح ) هي جمع قدح بكسر القاف وإسكان الدال المهملة : وهو السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل قوله : ( يلزق ) بضم أوله يتعدى بالهمزة والتضعيف يقال : ألزقته ولزقته قوله : ( منكبه ) المنكب مجتمع العضد والكتف .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية