الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5629 [ ص: 245 ] 5 - باب: إجابة دعاء من بر والديه

                                                                                                                                                                                                                              5974 - حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر، فمالوا إلى غار في الجبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها. فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه ناء بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما، أكره أن أوقظهما من نومهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغون عند قدمي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء، ففرج الله لهم فرجة حتى يرون منها السماء. وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فطلبت إليها نفسها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فسعيت حتى جمعت مائة دينار، فلقيتها بها، فلما قعدت بين رجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله، ولا تفتح الخاتم. فقمت عنها، اللهم فإن كنت تعلم أني قد فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها. ففرج لهم فرجة، وقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز، فلما قضى عمله قال: أعطني حقي. فعرضت عليه حقه، فتركه ورغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها، فجاءني فقال: اتق الله ولا تظلمني، وأعطني حقي. فقلت: اذهب إلى ذلك البقر وراعيها. فقال: اتق الله ولا تهزأ بي. فقلت: إني لا أهزأ بك، فخذ ذلك البقر وراعيها. فأخذه فانطلق بها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج ما بقي، ففرج الله عنهم". [انظر: 2215 - مسلم: 2743 - فتح: 10 \ 404]

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 246 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 246 ] ذكر فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في الصخرة، وقد سلف، وحاصله أن كل من دعا الله بنية صادقة من قلبه وتوسل إليه بما صنعه لوجهه خالصا (جاءته) الإجابة، ألا ترى أن أصحاب الغار توسلوا إلى الله بأعمال عملوها خالصة لوجهه ورجوا الفرج بها، فذكر أحدهم بر أبويه، والثاني المرأة وأنه ترك الزنا بها لوجه الله، والثالث أنه تجر في أجرة الأجير حتى صار منها غنم وراعيها، وأنه دفعه إليه حين طلب منه الأجرة، فتفضل الله عليهم بإجابة دعائهم ونجاهم من الغار، فكما أجيبت دعوة هؤلاء النفر فكذلك يرجى إجابة دعاء كل من أخلص فعله لله تعالى، وأراد به وجهه.

                                                                                                                                                                                                                              فصل في ضبط ألفاظه:

                                                                                                                                                                                                                              قوله: ("فأطبقت عليهم") هو رباعي من أطبقت الشيء عليه وجعلته مطبقا فتطبق هو، ومنه قولهم: لو تطبقت السماء على الأرض ما فعلت كذا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("لعله يفرجها") (ضبط بالضم، وبكسر الراء) ، قال ابن التين: وكذا قرأناه. قال الجوهري: فرج الله عنك غمك تفريجا، وكذلك: فرج الله عنك غمك يفرج بالكسر .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("إنه ناء بي الشجر") أي: تباعد عن مكاننا الشجر التي ترعاها مواشينا.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("كما كنت أحلب") هو بضم اللام.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 247 ] وقوله: ("فجئت بالحلاب") هو بكسر الحاء أي: الإناء الذي يحلب فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("والصبية يتضاغون") أي: يصيحون، وكذلك كل صوت ذليل مقهور، ضغا يضغو: صاح وبكى وضج، وعبارة الداودي: يبكون ويتوجعون.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("فافرج لنا فرجة") هو بضم الفاء، وأما إذا فتحتها فهي للتفصي من الهم. والفرجة بالضم فرجة الحائط، وهو المراد هنا. والفرق: مكتل معروف بالمدينة ستة عشر رطلا وقد تحرك راؤه وأنكر القتبي إسكانها.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية