الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، ثنا هارون بن عبد الله ، ثنا سيار ، ثنا جعفر أبو سنان القسملي ، قال : سمعت وهبا وأقبل على عطاء الخراساني فقال له : ويحك يا عطاء ، ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا ، ويحك يا عطاء ، أتأتي من يغلق عنك بابه ، ويظهر لك فقره ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتح لك بابه ، ويظهر لك غناه ، ويقول : ادعوني أستجب لكم ، ويحك يا عطاء ، ارض بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولا ترض بالدون من الحكمة مع الدنيا ، ويحك يا عطاء ، إن كنت يغنيك ما يكفيك فإن أدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيء يكفيك ، ويحك يا عطاء ، إنما بطنك بحر من البحور ، وواد من الأودية ، ولا يملؤه إلا التراب .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل بن عسكر ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، ثنا عبد الصمد بن معقل ، قال : سئل وهب : يا أبا عبد الله ، رجلان يصليان ، أحدهما أطول قنوتا وصمتا ، والآخر أطول سجودا ، أيهما أفضل ؟ قال : أنصحهما لله عز وجل .

              حدثنا أبو بكر الآجري ، ثنا عبد الله بن محمد العطشي ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن بشر بن مروان الكاتب ، ثنا ابن المبارك ، عن المبارك ، عن أشرس ، عن أبي عبد الرحمن - وكان فاضلا - عن وهب قال : مر عابد براهب فأشرف عليه ، فقال : منذ كم أنت في هذه الصومعة ؟ قال : منذ ستين سنة [ ص: 44 ] قال : فكيف صبرت فيها ستين سنة ؟ قال : مر فإن الدنيا تمر ، ثم قال :يا راهب ، كيف ذكرك للموت ؟ قال :ما أحسب عبدا يعرف الله تعالى تأتي عليه ساعة لا يذكر الله فيها ، وما أرفع قدما إلا أظن أني لا أضعها حتى أموت ، قال : فجعل العابد يبكي ، فقال له الراهب : هذا بكاؤك في العلانية ، فكيف أنت إذا خلوت ؟ فقال العابد : إني لأبكي عند إفطاري فأشرب شرابي بدموعي ، وأبل طعامي بدموعي ، ويصرعني النوم فأبل مضجعي بدموعي ، قال : أما إنك أن تضحك وأنت معترف لله عز وجل بذنبك ، خير لك من أن تبكي وأنت تمر على الله عز وجل ، قال : فأوصني بوصية . قال : كن في الدنيا بمنزلة النحلة ؛ إن أكلت أكلت طيبا ، وإن وضعت وضعت طيبا ، وإن سقطت على شيء لم تضره ولم تكسره ، ولا تكن في الدنيا بمنزلة الحمار إنما همته أن يشبع ثم يرمي بنفسه في التراب ، وانصح لله عز وجل نصح الكلب لأهله ؛ فإنهم يجيعونه ويطردونه وهو يحرسهم . قال أبو عبد الرحمن : قال أشرس : وكان طاوس إذا ذكر هذا الحديث بكى ثم قال :عز علينا أن تكون الكلاب أنصح لأهلها منا لمولانا عز وجل .

              حدثنا أبو بكر ، ثنا عبد الله ، ثنا إبراهيم ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني بشير بن محمد بن أبان ، ثنا الحسين بن عبد الله بن مسلم القرشي ، عن وهب رحمه الله ، أن راهبا تخلى في صومعته في زمان المسيح ، فأراد إبليس أن يكايده فلم يقدر ، ثم أتاه بكل زائدة فلم يقدر عليه ، فأتاه متشبها بالمسيح فناداه : أيها الراهب ، أشرف علي أكلمك ، قال : فانطلق لشأنك فلست أزيد ما مضى من عمري . قال : أشرف علي فأنا المسيح ، فقال : إن كنت المسيح فما لي إليك من حاجة ، أليس قد أمرتنا بالعبادة فوعدتنا القيامة ؟ فانطلق إلى شأنك فلا حاجة بي إليك . فانطلق اللعين عنه وتركه .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن إبليس أتى راهبا في صومعته فاستفتح عليه ، فقال : من أنت ؟ قال :أنا المسيح ، قال الراهب : والله لئن كنت إبليس ما أخلو بك ، ولئن كنت المسيح فما أصنع بك اليوم شيئا ، لقد بلغتنا رسالة ربك وقبلنا عنك [ ص: 45 ] وشرعت لنا الدين ونحن عليه ، فاذهب فلست بفاتح لك ، قال له : صدقت ، أنا إبليس ولا أريد ضلالتك أبدا ، فاسألني عما بدا لك أخبرك به ، قال : وأنت صادق ؟ قال : لا تسألني عن شيء إلا صدقتك به . قال : فأخبرني أي أخلاق بني آدم أوثق في أنفسكم أن تضلونهم بها . قال : ثلاثة أشياء ، الحدة والشح والسكر .

              حدثنا الحسين بن محمد ، ثنا أمية بن محمد الصواف ، ثنا محمد بن يحيى الأزدي ، ثنا ابن أبي إياس اليماني ، عن أبيه ، عن وهب ، قال : قال موسى عليه السلام : إلهي ، ما جزاء من ذكرك بلسانه وقلبه ؟ قال :يا موسى ، أظله يوم القيامة بظل عرشي ، وأجعله في كنفي . قال : يا رب ، أي عبادك أشقى ؟ قال : من لا تنفعه موعظة ولا يذكرني إذا خلا .

              حدثنا أبو محمد بن علي بن محمد بن الأثرم ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا إبراهيم بن خالد ، حدثني عبد الله بن بجير ، قال : سمعت وهب بن منبه يقول : قال موسى عليه السلام : يا رب ، أي عبادك أحب إليك ؟ قال : الذين يعودون المرضى ويعزون الثكلى ويشيعون الهلكى .

              حدثنا أبي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا محمد بن سهل ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، حدثني عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه ، قال : قال عالم لمن فوقه في العلم : كم أبني من البناء ؟ قال : يكفيك ما يسترك من الشمس ويكنك من الغيث ، قال : كم آكل من الطعام ؟ قال : فوق الجوع ودون الشبع . قال : كم ألبس من الثياب ؟ قال : لباس المسيح عليه السلام . قال : كم أضحك ؟ قال :ما يسفر وجهك ولا يسمع صوتك . قال : كم أبكي ؟ قال : لا تمل أن تبكي من خشية الله . قال : كم أخفي من العمل ؟ قال : حتى يظن الناس أنك لم تعمل حسنة . قال : كم أعلن من العمل ؟ قال :ما يأتم بك الحريص ولا تؤتي - أو قال : ولا يقبل - عليك كلام الناس . قال : وسمعت راهبا يقول : إن لكل شيء طرفين ووسطا ، فإذا أمسكت بأحد الطرفين مال الآخر ، وإذا أمسكت بالوسط اعتدل الطرفان . ثم قال : عليكم بالأوسط من الأشياء .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية