الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه )

الفرق بين هاتين القاعدتين مبني على قاعدة ، وهي أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة لذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقلاء فيها عادة كالسمسمة ، ونحوها فلهذه القاعدة أيضا لا يقبل قول المستأجر في قلع الأشياء التي لا قيمة لها بعد القلع ، وإن كانت عظيمة المالية قبل القلع ، وكذلك البناء العظيم الذي لا قيمة له بعد الهدم ، وإن عظمت قيمته قبل الهدم ، وكذلك المستحق منه ، والغاصب ونحوهما الجميع في ذلك سواء لأن قلعه لمجرد الفساد لا لحصول مصلحة تحصل للقالع ، ولا لدرء مفسدة عنه فيتعين بقاؤه في الأرض المستأجرة ينتفع به صاحب الأرض ، ويحصل له بسببه تلك المالية العظيمة ، ويعطيه له بغير شيء فإنه مستحق الإزالة شرعا ، وعلى تقدير الإزالة تبطل تلك المالية فهي مالية مستهلكة على ، واضعها شرعا ، والمستهلك شرعا لا يجب فيه قيمة ، ويؤيد ذلك { نهيه عليه السلام عن إضاعة المال } ، وهدم مثل هذا البناء .

وقلع مثل هذا الشجر إضاعة للمال فوجب المنع منه فلهذه القاعدة أجمع الناس على أن العروض تتعين بالتعيين ، وكذلك الحيوان والطعام لأن لهذه الأشياء من الخصوصيات والأوصاف ما تتعلق به الأغراض الصحيحة ، وتميل إليه العقول السليمة ، والنفوس الخالصة لما في تلك المعنيات من الملاذ [ ص: 8 ] الخاصة في تلك الأعيان ، ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا عين صاعا من صبرة ، وباعه أنه لا يتعين لأن الأغراض الصحيحة مستوية في أجزاء الصبرة غير أني لا أعلم أحدا قال بعدم التعين .

واختلفوا في الدنانير والدراهم إذا عينت هل تتعين أم لا ثلاثة أقوال : ثالثها إن عينها الدافع تعينت لأنه أملك بها ، وهو مالكها ، وإن عينها القابض لا تتعين إلا أن تختص بصفة حلي أو سكة رائجة أو غير ذلك تعينت اتفاقا ، وهذه الأقوال الثلاثة عندنا ، وبالتعيين قال الشافعي ، والمشهور عندنا عدم التعيين فبهذه القاعدة يظهر الفرق بين ما للمستأجر أن يأخذه من ماله ، وما لا يأخذه منه .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه )

قلت فيه نقل أقوال ، ولكن في ذلك كله نظر فإن تقدير بناء أو شجر ونحو ذلك لا تكون له قيمة بعد القلع بخلافه .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الرابع والمائتان بين قاعدة ما للمستأجر أخذه من ماله بعد انقضاء الإجارة وبين قاعدة ما ليس له أخذه ) وهو أن ما لا قيمة له من الزرع بعد القلع ، ومن البناء بعد الهدم ، وإن عظمت قيمته قبل القلع والهدم لا يقبل في قلعه أو هدمه قول المستأجر بل يتعين عليه إبقاؤه في الأرض المستأجرة ينتفع به صاحب الأرض ، ويحصل له بسببه تلك المالية العظيمة ، وكذلك المستحق منه والغاصب ، ونحوهما لأن قلعه أو هدمه بمجرد الفساد لا لحصول مصلحة تستحصل للقالع والهادم ، ولا لدرء مفسدة عنه ، والقاعدة أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة ، ولذلك لا يسمع الحاكم الدعوى في الأشياء التافهة الحقيرة التي لا يتشاح العقلاء فيها عادة كالسمسمة ونحوها ، وإذا أعطى المستأجر أو المستحق منه أو الغاصب ونحوهم لصاحب الأرض ما ذكر من الزرع أو البناء اللذين لا قيمة لهما بعد الإزالة بالقلع أو الهدم فهو يعطيه له بغير شيء ضرورة أنه مستحق الإزالة شرعا ، وعلى تقدير الإزالة تبطل تلك المالية فهي مالية مستهلكة على واضعها شرعا ، والمستهلك شرعا لا يجب فيه قيمة .

ويؤيد ذلك { نهيه عليه السلام عن إضاعة المال } وهدم مثل هذا البناء وقلع مثل هذا الشجر إضاعة للمال فوجب المنع منه ، وأما ما له قيمة من الزرع بعد القلع ، ومن البناء بعد الهدم فيقبل في قلعه أو هدمه قول المستأجر ، وكذلك المستحق منه ، والغاصب ونحوهما لأن قلعه أو هدمه لحصول مصلحة تحصل للقالع والهادم لا لمجرد الفساد كذا قال الأصل ، وفي فصل الاستحقاق من مختصر خليل مع شرح عبق وإن زرع غاصب أرض أو منفعتها فاستحقت الأرض أي أقام مالكها فإن لم ينتفع بالزرع قبل ظهوره أو بعده أخذ بلا شيء في مقابلة بذره أو أجرة حرثه أو غيره أي قضي للمستحق بأخذه إن شاء مجانا ، ونص التوضيح إن أقام رب الأرض بعد الحرث ، وقبل الزراعة ففي اللخمي وغيره أنه يأخذه بغير شيء ، وإن كان قيامه بعد الزراعة ، وقبل ظهور الزرع أو بعد ظهوره ، وقبل أن ينتفع به فله أن يأمره بقلعه أو يأخذه ابن القاسم وأشهب بغير ثمن ولا ذريعة ا هـ .

وليس له إبقاؤه وأخذ كراء الأرض لأنه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه كما يأتي نحوه عن ابن يونس وإلا بأن بلغ أن ينتفع به ، ولو لرعي البهائم فله أي للمستحق به قلعه أي أمره بذلك ، وبتسوية الأرض ، وذكر شرطا في قوله أخذ بلا شيء ، وقوله فله قلعه فقال إن لم يفت أي إبان ما أي زرع تراد له مما زرع فيها كما حمل عبد الحق وغيره المدونة عليه ، وهو [ ص: 23 ] الذي يدل عليه كلام التوضيح وابن عرفة ، ونص العتبية ، ومن تعدى فزرع أرض رجل فقام عليه بعد إبان الزرع ، وقد كبر الزرع واشتد فأراد قلع الزرع ، وقال أريد أكريها مقثأة أو أزرعها بقلا ، وهي أرض سقي يمكنه الانتفاع بها فليس له ذلك ، وليس له بعد إبان الزرع إلا كراؤه وإن كانت أرض سقي ينتفع بها لما ذكرت ، وإنما له ذلك إن لم يفت إبان الزرع الذي فيها ، ولا حجة له أنه يريد قلبها ، والكراء له عوض من ذلك ا هـ .

وأشار لقسيم قوله فله قلعه ، وهو الشق الثاني من التخيير بقوله ، وله أي لرب الأرض أخذه بقيمته على المختار مقلوعا تقديرا ، ويبقيه في الأرض ، ويسقط من قيمته مقلوعا عنه كلفة قلعه أن لو قلع حيث كان الغاصب شأنه أن لا يتولاها بنفسه أو خدمه على ما لابن المواز في بناء الغاصب وغرسة ، وهو المعول عليه هناك فينبغي أن يعول عليه هنا أيضا فإذا كان شأنه توليه بنفسه أو خدمه أخذه بقيمته مقلوعا من غير إسقاط كلفة قلعه لو قلع ، وكما له أخذه بقيمته مقلوعا له إبقاؤه لزارعه ، وأخذ كراء السنة منه في الفرض المذكور أي بلغ أن ينتفع به ، ولم يفت وقت ما ترد له دون القسم الأول في المصنف ، وهو ما إذا لم ينتفع به فليس له إبقاؤه وأخذ كرائها منه ، وفرق ابن يونس أي وابن المواز بأنه فيه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه لأن مالك الأرض لما مكنه الشرع من أخذه بلا شيء وإبقاء لزارعه بكراء فكان ذلك الكراء عوضا عنه في المعنى فهو بيع له على التبقية ، وهو مبني على أن من خير بين أمرين عد منتقلا كما قال المازري ، وإلا بأن فات وقت ما ترد له فكراء مثلها في السنة لازم للغاصب ، واعتمد المصنف في هذا على ما نقله في التوضيح عن اللخمي ، ونصه وإن كان قيامه بعد الإبان فقال مالك الزرع للغاصب ، وعليه كراء الأرض ، وليس لربه قلعه اللخمي ، وهو المعروف من قوله وذكر رواية أخرى أن للمستحق أن يقلعه ، ويأخذ أرضه بقوله صلى الله عليه وسلم { ليس لعرق ظالم حق } ، وروي عن مالك أيضا أن الزرع للمغصوب منه الأرض ، وإن طاب وحصد ، واختار هذه الرواية الثالثة غير واحد لما في الترمذي من زرع أرضا لقوم بغير إذنهم فالزرع لرب الأرض ، وعليه نفقته ا هـ .

وذكر ابن يونس في الرواية الثانية أنها أصح كما في المواق فظهر ترجيح كل من الروايات الثلاث لكن الثالثة شاذة عن الإمام ، وقد بحث ابن عرفة في الفتوى بها بذلك ، وأجيب كما في المعيار بأن التشديد على الظلمة والمحدثين من أهل البغي والفساد مألوف من الشرع وقواعد المذهب ، وهل فوات الإبان بالنظر إلى زمن الخصام أو إلى يوم الحكم ، والظاهر أنه يجري فيه القولان اللذان ذكرهما [ ص: 24 ] ابن عرفة في ذي الشبهة ، ومال إلى يوم الحكم إن كانت المخاصمة بما له وجه انظر الرهوني ا هـ .

مع اقتصار على ما عول عليه البناني والرهوني وكنون ، وزيادة منهم نعم انظر ابن الشاط في كلام الأصل بأن تقدير بناء أو شجر ونحو ذلك لا تكون له قيمة بعد القلع كفرض محال ، والله تعالى أعلم ا هـ بلفظه .

( فائدة ) قال الأصل القاعدة أن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح إلخ أجمع الناس على أن العروض تتعين بالتعيين ، وكذلك الحيوان والطعام لأن لهذه الأشياء من الخصوصيات والأوصاف ما تتعلق به الأغراض الصحيحة ، وتميل إليه العقول السليمة والنفوس الخالصة لما في تلك المعينات من الملاذ الخاصة في تلك الأعيان ، ومقتضى هذه القاعدة أنه إذا عين صاعا من صبرة ، وباعه أنه لا يتعين لأن الأغراض الصحيحة مستوية في أجزاء الصبرة غير أني لا أعلم أحدا قال بعدم التعيين ، واختلفوا في الدنانير والدراهم إذا عينت هل تتعين أم لا ثلاثة أقوال ثالثها إن عينها الدافع تعينت لأنه أملك بها ، وهو مالكها ، وإن عينها القابض لا تتعين إلا أن تختص بصفة حلي أو سكة رائجة أو غير ذلك تعينت اتفاقا ، وهذه الأقوال الثلاثة عندنا ، وبالتعيين قال الشافعي والمشهور عندنا عدم التعيين ا هـ .

والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية