الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5644 [ ص: 281 ] 14 - باب: يبل الرحم ببلالها 5990 - حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جهارا غير سر يقول: " إن آل أبي - قال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين". زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولكن لهم رحم أبلها ببلالها". يعني: أصلها بصلتها. [ مسلم: 215 - فتح: 10 \ 419]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث قيس بن أبي حازم، أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - جهارا غير سر يقول: "إن آل أبي (فلان) - قال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض يعني: الراوي عن شعبة - ليسوا بأوليائي، إنما وليي الله وصالح المؤمنين". زاد عنبسة بن عبد الواحد، عن بيان، عن قيس، عن عمرو: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ولكن لهم رحم أبلها ببلالها".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              في مسلم "ألا إن [آل] أبي فلان" قيل: إن المكني عنه الحكم بن أبي العاص، والبلال: جمع بلل أطلقوا النداوة على الصلة كما أطلقوا اليبس على القطيعة; لأن بعض الأشياء تتصل وتختلط بالنداوة، ويقع بينهما التجافي والتفرق باليبس، فاستعاروا البلل لذلك، وقال القاضي: ببلالها بكسر الباء . يقال: بللت رحمي بلا وبلالا [ ص: 282 ] وبللا، قال الأصمعي: أي: وصلتها وبدأتها بالصلة، وإنما شبهت قطيعة الرحم بالحرارة تطفئ بالبرد وقال الخطابي: بلالها بالفتح كالملال. وقال الهروي: البلال جمع بلل ، كجمل وجمال.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال: أبلها بمعروفها، والبل هو الترطيب والتندية بالمعروف، وشبه صلة الرحم بالمعروف بالشيء اليابس يندى فيرطب، وذلك أن العرب تصف الرجل إذا وصفته باللؤم بجمود الكف، فتقول: ما يندى كفه بخير وإنه لحجر صلد يعني: أنه لا يرجى نائله ولا يطمع في معروفه كما لا يرجى من الحجر الصلد ما يشرب، فإذا وصل الرجل رحمه بمعروفه، قالوا: بل رحمه بلا وبلالا. قال الأعشى:

                                                                                                                                                                                                                              ووصال رحم قد نضحت بلالها وإنما ذلك تشبيه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلة الرجل رحمه بالنار يصب عليها الماء فتطفأ. قال المهلب: فقوله "لكن لهم رحم أبلها ببلالها"، هو الذي أمره الله في كتابه فقال: وصاحبهما في الدنيا معروفا [لقمان: 15] فلما عصوه وعاندوه دعا عليهم فقال: "اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف" فلما مسهم الجوع أرسلوا إليه قالوا: يا محمد، إنك بعثت بصلة الرحم، وإن أهلك قد جاعوا، فادع الله لهم، فدعا لهم بعد أن كان دعا عليهم فوصل رحمه فيهم بالدعاء لهم، وذلك مما لا يقدح في دين الله، ألا ترى صنعه - عليه السلام - فيهم إذ غلب عليهم يوم الفتح، كما أطلقهم من الرق الذي كان توجه إليهم فسموا بذلك الطلقاء، ولم ينتهك حريمهم ولا استباح أموالهم ومن عليهم، وهذا كله من

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 283 ] البلال .

                                                                                                                                                                                                                              وذكره ابن التين بلفظ: "أبلها ببلائها" قال: وكذا وقع و (بلالها) أجود وأصح، و (بلائها) لا أعرف له وجها.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: وجهه يحتمل ما نال منهم من الأذى، قال: وهذا لا يكون إلا في الكفار، قال تعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم [التوبة: 128].

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: هذا الذي ذكره الداودي غير ظاهر; لأن البلاء ممدود ولا يقال في ذلك أنه - عليه السلام - قال: لهم رحم أبلها بالأذى وإنما هو بلالها، وقد تفتح الباء - كما قرأناه - وكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها بالكسر، وكذا ضبطه الجوهري قال: انضحوا الرحم ببلالها، أي: صلوها بصلتها وندوها، ويقال: لا تبلك عندي بلال، مثل قطام . يريد أنه مبني على الكسر.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وقد يتأول ذلك على الشفاعة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القيامة [، وقال الداودي: أتى إليهم من الخير ما ينبغي أن يفعل في الرحم.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب: قوله: "إن آل أبي ليسوا بأولياء - يعني بأوليائي - ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين"، فأوجب الولاية بالدين ونفاها عن أهل رحمه، إذ لم يكونوا من أهل دينه، فدل بذلك أن النسب محتاج إلى الولاية التي بها تقع الموارثة بين المتناسبين والأقارب، فإن لم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 284 ] يكن (دين) يجمعهم لم تكن ولاية ولا موارثة، ودل هذا أن الرحم التي تضمن الله تعالى أن يصل من وصلها ويقطع من قطعها، إنما ذلك إذا كان في الله وفيما شرع، وأما من قطعها في الله وفيما شرع فقد وصل الله والشريعة، فاستحق صلة الله بقطعه من قطع الله، قال تعالى: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [الممتحنة: 1] وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان [التوبة: 23]، وقال: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا [الأنفال: 72] فكيف بمن لم يؤمن؟!

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وقال عمرو: في كتاب محمد بن جعفر بياض)، إنما نبه عليه; ليعرف أنه ترك الاسم، وقد عرفه وسكت عنه; لئلا يؤذي به المسلم من أبنائهم كما روي أن عمر كان إذا لقي عكرمة بن أبي جهل سب أباه، فقال له - عليه السلام - : "لا تسب الميت تؤذ به الحي" قاله الداودي.

                                                                                                                                                                                                                              (وقال عبد الحق في "جمعه": الصحيح في ضبط هذا الحرف بياض برفع الضاد وأراد أن في كتاب محمد بن جعفر موضعا أبيض لم يكتب ولا يعرف أيضا في قريش في ذلك الوقت ولا غيرهم بنو بياض إلا بني بياضة في الأنصار.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله - عليه السلام - : ("لكن لهم رحم") دليل على أنهم كانوا من بني عبد مناف أو من غيرهم من قريش) .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("آل أبي") لعله يريد أكثرهم، قال الخطابي: والولاية التي [ ص: 285 ] نفاها ولاية القرب والاختصاص لا الدين . وقوله هذا يخالف ما ذكره الداودي; لأن الأذى لأبناء المسلمين (لا يكون) لانتفاء القرابة، وقول الداودي أقوى وأولى، كما نبه عليه ابن التين.

                                                                                                                                                                                                                              ("وصالح المؤمنين") قال قتادة: أبو بكر. وقال الثوري: الأنبياء. وقال عكرمة وسعيد بن جبير: أبو بكر وعمر. وقال مجاهد: هو علي - رضي الله عنه - .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية