الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1206 ) مسألة : قال : ( وسترة الإمام سترة لمن خلفه ) . وجملته أنه يستحب للمصلي أن يصلي إلى سترة ، فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية ، وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه ، أو نصب بين يديه حربة أو عصا ، أو عرض البعير فصلى إليه ، أو جعل رحله بين يديه . وسئل أحمد : يصلي الراحل إلى سترة في الحضر والسفر ؟ قال : نعم ، مثل آخرة الرحل .

                                                                                                                                            ولا نعلم في استحباب ذلك خلافا ، والأصل فيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها ، ويعرض البعير فيصلي إليه } ، وروى أبو جحيفة { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له العنزة ، فتقدم وصلى الظهر ركعتين ، يمر بين يديه الحمار والكلب ، لا يمنع } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وعن طلحة بن عبيد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فليصل ، ولا يبال من مر وراء ذلك } . أخرجه مسلم . إذا ثبت هذا ، فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه نص على هذا أحمد ، وهو قول أكثر أهل العلم . كذلك قال ابن المنذر . وقال الترمذي ، قال أهل العلم : سترة الإمام [ ص: 37 ] سترة لمن خلفه .

                                                                                                                                            قال أبو الزناد : كل من أدركت من فقهاء المدينة الذين ينتهى إلى قولهم ; سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، والقاسم بن محمد ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وسليمان بن يسار ، وغيرهم ، يقولون : سترة الإمام سترة لمن خلفه . وروي ذلك عن ابن عمر . وبه قال النخعي ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، وغيرهم ; وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى سترة ، ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى .

                                                                                                                                            وفي حديث عن ابن عباس ، قال { : أقبلت راكبا على حمار أتان ، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض أهل الصف ، فنزلت ، فأرسلت الأتان ترتع ، فدخلت في الصف ، فلم ينكر علي أحد } . متفق عليه .

                                                                                                                                            ومعنى قولهم : سترة الإمام سترة لمن خلفه . أنه متى لم يحل بين الإمام وسترته شيء يقطع الصلاة ، فصلاة المأمومين صحيحة ، لا يضرها مرور شيء بين أيديهم في بعض الصف ، ولا فيما بينهم وبين الإمام ، وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم ، وقد دل على هذا ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال { : هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر فحضرت الصلاة - يعني فصلى إلى جدر - فاتخذها قبلة ، ونحن خلفه ، فجاءت بهمة تمر بين يديه ، فما زال يدرؤها حتى لصق بطنه بالجدر ، فمرت من ورائه } . رواه أبو داود .

                                                                                                                                            فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية