الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1393 [ ص: 7 ] حديث خامس لعبد الله بن دينار ، عن ابن عمر

مالك عن عبد الله بن دينار ، عن عبد الله بن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يخدع في البيوع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا بايعت فقل لا خلابة فكان الرجل إذا بايع ، قال : لا خلابة .

التالي السابق


قال أبو عمر : يقال : إن الرجل الذي قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا بايعت فقل لا خلابة هو منقذ بن حيان ، وذلك محفوظ من حديث ابن عمر ، وغيره .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا حامد بن يحيى ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن إسحاق [ ص: 8 ] عن نافع ، عن ابن عمر أن منقذا شج في رأسه مأمومة في الجاهلية ، فخبلت لسانه ، فكان يخدع في البيع ، ومرة قال : إذا بايع خدع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بع وقل لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك ، قال ابن عمر : فسمعته إذا بايع يقول : لا خبابة لا خبابة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، قال : حدثنا عباد بن العوام ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذا كان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة ، فكان إذا باع غبن فذكر ذلك للنبي - عليه السلام - ، فقال : إذا بايعت فقل لا خلابة ، وأنت بالخيار .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن الجهم .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي و إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي ، قالوا : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف ، قال : أخبرنا سعيد ، عن قتادة ، عن [ ص: 9 ] أنس بن مالك أن رجلا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبتاع ، وكان في عقدته ضعف ، زاد عبد الوارث في حديثه قال : قال الخفاف : في عقدته يعني في عقله ، فأتى أهله النبي - عليه السلام - فقالوا : يا نبي الله احجر على فلان إنه يبتاع وفي عقدته ضعف ، فدعاه نبي الله فنهاه عن البيع ، فقال : يا نبي الله إني لا أصبر على البيع ، فقال رسول الله - عليه السلام - : إن كنت غير تارك للبيع فقل هاء وهاء ولا خلابة .

واختلف العلماء في معنى أحاديث هذا الباب ، فقال منهم قائلون : هذا خصوص في ذلك الرجل وحده بعينه ، جعل له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخيار في كل سلعة يشتريها ، شرط ذلك أو لم يشترطه ، خصه بذلك لضعفه ، ولما شاء صلى الله عليه وسلم ، ولم يجز لأحد خلابته وخديعته ، وإن كان صلى الله عليه وسلم قد قال : دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فخص هذا بأن لا يخدع ، فيؤخذ منه في السلعة أكثر مما تساوي .

وأما الخديعة والخلابة التي فيها الغش وستر العيوب فمحظورة على الناس كلهم ، ولكن البيع صحيح فيها ، وللمشتري [ ص: 10 ] إذا اطلع على العيب الخيار في الاستمساك أو الرد على حسب السنة في ذلك مما نقل عنه في قصة المصراة وغيرها .

وقال آخرون : كل ما جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمنقذ من الخيار فيما اشتراه ، وما جعل له في أن لا يخدع شرطا يشترطه بقوله : لا خلابة فجائز اشتراطه اليوم لكل الناس ، فلو أن رجلا شرط على بائعه أنه بالخيار فيما ابتاعه منه ثلاثا ، وقال له : إنك متى ما خدعتني في هذه السلعة وبانت خديعتك لي فيها فأنا بالخيار ثلاثة أيام ، إن شئت أمسكت ، وإن شئت رددت - كان له شرطه ، وذلك جائز ، وله الخيار على حسب ما اشترط .

وأما القول في اشتراط الخيار ثلاثا وما فوقها ودونها من المدة ، فقد مضى مستوعبا في باب نافع ، عن ابن عمر من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .




الخدمات العلمية