الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 14 ] ولما كانت هذه الآيات كلها كالدليل على قوله تعالى : " وضربت عليهم الذلة والمسكنة " - " ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله " ، كانت فذلكة ذلك قوله تعالى : أولئك أي : البعداء البغضاء ، الذين اشتروا أي : لجوا فأخذوا ، الحياة الدنيا على خساستها ، بالآخرة مع نفاستها ، والدنيا فعلى من الدنو وهو الأنزل رتبة ، في مقابلة عليا ، ولأنه لزمتها العاجلة صارت في مقابلة الأخرى اللازمة للعلو ، ففي الدنيا نزول قدر وتعجل ، وفي الأخرى علو قدر وتأخر ، فتقابلتا على ما يفهم تقابلين من معنى كل واحدة منهما ، قاله الحرالي . [فالآية من الاحتكاك ، ذكر الدنيا أولا يدل على حذف العليا ثانيا ، وذكر الآخرة ثانيا يدل على حذف العاجلة أولا ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فلا أي : فتسبب عن ذلك أنه لا يخفف من التخفيف وهو [ ص: 15 ] مصير الثقيل والمستفل إلى حال الطافي المستعلي كحال ما بين الحجر والهواء ، قاله الحرالي . عنهم العذاب في واحدة من الدارين ، ولا هم ينصرون وهو أيضا من أعظم الأدلة على خذلان من غزا لأجل المغنم أو غل ، وقد ورد في كثير من الأحاديث والآثار التصريح بذلك ، منها ما رواه مالك عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب" ، وهو أيضا شرع قديم ; ففي سفر يوشع بن نون عليه الصلاة والسلام أنه لما فتح مدينة أريحا بعد موت موسى عليه السلام بعث إلى مدينة عاي ثلاثة آلاف مقاتل ليفتحوها ، فقتل منهم أهل عاي جماعة وهزموهم ، فاضطربت قلوبهم وصارت كالماء ، فسجد يوشع على الأرض أمام تابوت الرب هو ومشيخة بني إسرائيل ، فقال له الرب : انهض قائما ، وأخبره أن قومه قد غلوا فلا يقدرون الآن أن يثبتوا لأعدائهم حتى ينحوا الحرام عنهم ، وقال الله له : وإذا كان غد فقدموا أسباطكم ليقترعوا ، والسبط الذي تصيبه قرعة الرب تتقدم عشائره ، والعشيرة التي تصيبها القرعة تتقدم بيوتاتها ، والبيت الذي يصيبه قرعة الرب [ ص: 16 ] ويصاب الحرام عنده يحرق بالنار هو وكل شيء له ، لأنه تعدى على أمر الرب ولأنه أثم بإسرائيل ; ففعل ما أمره الرب ، فأصابت القرعة عاجار بن كرمى من سبط يهودا ، فأحضره وبنيه وبناته ومواشيه وخيمته وكل من كان له ، فأصعدهم إلى غور عاجار ، ورجمهم جميع بني إسرائيل بالحجارة ، وأحرقوهم بالنار ، وجعلوا فوقه تلا من الحجارة الكبار إلى اليوم ، ولذلك دعي اسم ذلك الموضع غور عاجار إلى اليوم ، ثم أتوا من الغد إلى عاي فقتلوا جميع من فيها من بني آدم الذكور والإناث وأحرقوها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية