الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء فيمن أدرك من الجمعة ركعة

                                                                                                          524 حدثنا نصر بن علي وسعيد بن عبد الرحمن وغير واحد قالوا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا من أدرك ركعة من الجمعة صلى إليها أخرى ومن أدركهم جلوسا صلى أربعا وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( فقد أدرك الصلاة ) ليس على ظاهره بالإجماع ؛ لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة ، بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة ، فإذا فيه إضمار تقديره : فقد أدرك وقت الصلاة ، أو حكم الصلاة ، أو نحو ذلك ، ويلزمه إتمام بقيتها .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

                                                                                                          قوله : ( ومن أدركهم جلوسا ) أي : ومن أدرك الإمام والمصلين معه جالسين ( صلى أربعا ) أي : بعد سلام الإمام .

                                                                                                          قوله : ( وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) وقال أبو حنيفة : من أدرك مع الإمام شيئا من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يصلي الظهر ؛ لإطلاق حديث : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . أخرجه أصحاب الكتب الستة وغيرهم . واستدل الأولون بحديث الباب فإنه بإطلاقه يشمل الجمعة فيلزم أن مدرك ركعة من الجمعة مدرك لها ، وبمفهومه يدل على أن من لم يدرك ركعة بل دونها فهو غير مدرك ، ومن لم يدرك الجمعة يصلي أربعا .

                                                                                                          وأجاب عنه الحنفية بأن الحديث مطلق فيفيد أن حكم جميع الصلوات واحد ، وحكم سائر الصلوات أنه إذا أدرك شيئا منها مع الإمام ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يزيد على ذلك ، فكيف يزيد في الجمعة بإطلاق الحديث ، والمفهوم عندهم لا عبرة به ، ولو [ ص: 51 ] كان معتبرا لا يقدم على الصريح . كذا في شرح أبي الطيب المدني .

                                                                                                          واستدل الأولون أيضا بحديث أبي هريرة : من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا ، رواه الدارقطني من طريق ياسين بن معاذ عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ، وفي رواية له من طريقه بلفظ : " إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك ، وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى ، وإن لم يدرك ركعة فليصل أربع ركعات " .

                                                                                                          وأجيب عنه بأن هذا الحديث ضعيف فإن ياسين ضعيف متروك ، ولهذا الحديث طرق كلها معلولة . قال الحافظ في التلخيص بعد ذكرها : وقد قال ابن حبان في صحيحه : إنها كلها معلولة . وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه : لا أصل لهذا الحديث ، إنما المتن : من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها وذكر الدارقطني الاختلاف في علله وقال : الصحيح من أدرك من الصلاة ركعة ، وكذا قال العقيلي ، انتهى .

                                                                                                          واستدلوا أيضا بحديث ابن عمر مرفوعا : من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته . وفي لفظ : " فقد أدرك الصلاة " رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني من طريق بقية ، حدثني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن أبيه .

                                                                                                          وأجيب عنه بأن هذا الحديث أيضا لا يصلح للاحتجاج . قال الحافظ في التلخيص : قال ابن أبي داود والدارقطني : تفرد به بقية عن يونس . وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه : هذا خطأ في المتن والإسناد ، وإنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا : من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها . وأما قوله : من صلاة الجمعة ، فوهم . قال الحافظ : إن سلم من وهم بقية ففيه تدليس التسوية ؛ لأنه عنعن لشيخه انتهى . ولهذا الحديث طرق أخرى كلها ضعيفة قد ذكرها الحافظ في التلخيص مع بيان ضعفها .

                                                                                                          والأصح عندي ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن من أدرك مع الإمام شيئا من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يصلي الظهر لإطلاق : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا . فأما ما ذهب إليه الأولون فلم أجد حديثا صحيحا صريحا يدل عليه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                          [ ص: 52 ]



                                                                                                          الخدمات العلمية