الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5705 [ ص: 378 ] 46 - باب: الغيبة

                                                                                                                                                                                                                              وقول الله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه الآية [الحجرات: 12]

                                                                                                                                                                                                                              6052 - حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن الأعمش قال: سمعت مجاهدا يحدث عن طاوس، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: " إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يستتر من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة". ثم دعا بعسيب رطب، فشقه باثنين، فغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا، ثم قال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". [انظر: 216 - مسلم: 292 - فتح: 10 \ 469]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبرين، الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وموضع الحاجة قوله: "أما أحدهما فكان لا يستتر من (بوله) ، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة".

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              الغيبة قد فسرها الشارع في مرسل مالك، عن الوليد بن عبد الله بن صياد، أن المطلب بن عبد الله بن حنطب أخبره أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما الغيبة؟ قال: "أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع وإن كان حقا، فإن قلت باطلا فذلك البهتان" ، (وحديث متصل أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أرأيت

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 379 ] إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته".


                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حسن صحيح ) . ولم يذكر البخاري حديثا في الغيبة، وإنما ذكر النميمة، (وإن كان حديث ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنه - السالفين في الحج: "وأعراضكم" كاف فيه; لأنه أراد أنها) في معناها; لكراهة المرء أن يذكر عنه بظهر الغيب، فأشبهتها من هذه الجهة.

                                                                                                                                                                                                                              والغيبة المحرمة عند أهل العلم في اغتياب أهل الستر من المؤمنين، ومن لا يعلن بالمعاصي، فأما من جاهر بالكبائر فلا غيبة فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة فيمن لم يعلن بالمعاصي .

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي غيبة أهل المعاصي قريبا في باب ما يجوز منها.

                                                                                                                                                                                                                              والغيبة من الذنوب العظام التي تحبط الأعمال.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث: أنها "تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 380 ] وقد قيل: إنها تفطر الصائم بإحباط أجره.

                                                                                                                                                                                                                              وقد تأول بعض أهل العلم في حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" أنهما كانا يغتابان، كما سلف. وكذلك قال النخعي: ما أبالي اغتبت رجلا أو شربت ماء باردا في رمضان. وعنه - عليه السلام - : "ما صام من ظل يأكل لحوم الناس" ولعظم وزر الغيبة وكثرة ما تحبط من الأجر كف جماعة من العلماء عن اغتياب جميع الناس، حتى لقد روي عن ابن المبارك أنه قال: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدي، فإنهما أحق الناس بحسناتي.

                                                                                                                                                                                                                              وقال رجل لبعض السلف: إنك قلت في. قال: أنت إذا أكرم علي من نفسي.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل للحسن البصري: إن فلانا اغتابك. فبعث إليه طبقا من (الطبرزد) ، فقال: بلغني أنك أهديت إلي حسناتك، فأردت أن أكافئك بها.

                                                                                                                                                                                                                              والآثار في التشديد فيها كثيرة، وقد جاء حديث شريف في أجر من نصر من اغتيب عنده.

                                                                                                                                                                                                                              روى عبد الرزاق، عن معمر، عن أبان، عن أنس، رفعه: "من اغتيب عنده أخوه المسلم فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، وإن لم ينصره أدركه الله به في الدنيا والآخرة" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 381 ] (وروينا في "سنن أبي داود" من حديث جابر وأبي طلحة مرفوعا: "ما من امرئ يخذل امرأ مسلما. في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته" وروينا في "جامع الترمذي" من حديث أبي الدرداء مرفوعا: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة" ثم قال: حديث حسن) .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية