الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: لا تفتروا على الله كذبا فيه وجهان: أحدهما: لا تفتروا على الله كذبا بسحركم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بتكذيبي وقولكم ما جئت به سحر. فيسحتكم بعذاب فيهلككم ويستأصلكم ، قال الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                        وعض زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 410 ] فالمسحت: المستأصل ، والمجلف: المهلك. فتنازعوا أمرهم بينهم فيه وجهان: أحدهما: فيما هيئوه من الحبال والعصي ، قاله الضحاك . والثاني: فيمن يبتدئ بالإلقاء. وأسروا النجوى فيه أربعة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أن النجوى التي أسروها أن قالوا: إن كان هذا سحرا فسنغلبه ، وإن كان السماء فله أمره ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه لما قال لهم ويلكم الآية. قالوا: ما هذا بقول ساحر ، قاله ابن منبه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنهم أسروا النجوى دون موسى وهارون بقولهم إن هذان لساحران الآيات ، قاله مقاتل والسدي.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أنهم أسروا النجوى. إن غلبنا موسى اتبعناه ، قاله الكلبي. قوله تعالى: قالوا إن هذان لساحران هذه قراءة أبي عمرو وهي موافقة للإعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الأكثرون: إن هذان الساحران ، فوافقوا المصحف فيها ، ثم اختلفوا في تشديد إن فخففها ابن كثير وحفص فسلما بتخفيف إن من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب ، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران. وقرأ أبي: إن ذان إلا ساحران ، وقرأ باقي القراء بالتشديد: إن هذان لساحران. فوافقوا المصحف وخالفوا ظاهر الإعراب. واختلف من قرأ بذلك في إعرابه على أربعة أقاويل: [ ص: 411 ] أحدها: أن هذا على لغة بلحارث بن كعب وكنانة بن زيد يجعلون رفع الإثنين ونصبه وخفضه بالألف ، وينشدون:


                                                                                                                                                                                                                                        فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى     مساغا لناباه الشجاع لصمما



                                                                                                                                                                                                                                        والوجه الثاني: لا يجوز أن يحمل القرآن على ما اعتل من اللغات ويعدل به عن أفصحها وأصحها ، ولكن في (إن) هاء مضمرة تقديرها إنه هذان لساحران ، وهو قول متقدمي النحويين.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه بنى (هذان) على بناء لا يتغير في الإعراب كما بنى الذين على هذه الصيغة في النصب والرفع.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أن (إن) المشددة في هذا الموضع بمعنى نعم ، كما قال رجل لابن الزبير: لعن الله ناقة حملتني إليك ، فقال ابن الزبير: إن وصاحبها. وقال عبد الله بن قيس الرقيات


                                                                                                                                                                                                                                        بكى العواذل في الصبا     ح يلمنني وألومهنه
                                                                                                                                                                                                                                        ويقلن شيب قد علا     ك وقد كبرت فقلت إنه



                                                                                                                                                                                                                                        أي نعم ويذهبا بطريقتكم المثلى في قائل هذه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه قول السحرة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه قول قوم فرعون.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: قول فرعون من بين قومه ، وإن أشير به إلى جماعتهم. وفي تأويله خمسة أوجه: أحدها: ويذهبا بأهل العقل والشرف. قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ببني إسرائيل ، وكانوا أولي عدد ويسار ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 412 ] الثالث: ويذهبا بالطريقة التي أنتم عليها في السيرة . قاله ابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: ويذهبا بدينكم وعبادتكم لفرعون ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: ويذهبا بأهل طريقتكم المثلى ، [والمثلى مؤنث] الأمثل والمراد بالأمثل الأفضل ، قال أبو طالب:


                                                                                                                                                                                                                                        وإنا لعمرو الله إن جد ما أرى     لتلتبسن أسيافنا بالأماثل



                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى: فأجمعوا كيدكم فيه وجهان: أحدهما: جماعتكم على أمرهم في كيد موسى وهارون.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: معناه أحكموا أمركم ، قال الراجز:


                                                                                                                                                                                                                                        يا ليت شعري والمنى لا تنفع     هل أغدون يوما وأمري مجمع



                                                                                                                                                                                                                                        أي محكم. ثم ائتوا صفا أي اصطفوا ولا تختلطوا. من استعلى أي غلب.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية