الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        357 - الحديث الثالث : عن عائشة رضي الله عنها { أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة ، فقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب ، فقال : إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايم الله : لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } .

                                        وفي لفظ { كانت امرأة تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها } .

                                        التالي السابق


                                        قد أطلق في هذا الحديث على هذه المرأة لفظ " السرقة " ولا إشكال فيه وإنما الإشكال في الرواية الثانية وهو إطلاق جحد العارية على المرأة ، وليس في لفظ هذا الحديث ما يدل على أن المعبر عنه امرأة واحدة ولكن في عبارة المصنف ما يشعر بذلك فإنه جعل الذي ذكره ثانيا رواية وهو يقتضي من حيث الإشعار العادي أنهما حديث واحد ، اختلف فيه : هل كانت هذه المرأة المذكورة سارقة ، أو جاحدة ؟ وعن أحمد : أنه أوجب القطع في صورة جحود العارية ، عملا بتلك الرواية ، فإذا أخذ بطريق صناعي - أعني في صنعة الحديث - ضعفت الدلالة على [ ص: 632 ] مسألة الجحود قليلا فإنه يكون اختلافا في واقعة واحدة فلا يثبت الحكم المرتب على الجحود ، حتى يتبين ترجيح رواية من روى في هذا الحديث " أنها كانت جاحدة " على رواية من روى " أنها كانت سارقة " .

                                        وأظهر بعض الشافعية النكير والتعجب ممن أول حديث عائشة في القطع في ربع دينار - الذي روي فعلا - بأن اعتمد على رواية من رواه قولا فإن كان مخرج الحديث مختلفا ، فالأمر كما قال فإن أحد الحديثين حينئذ يدل على القطع فعلا في هذا المقدار .

                                        والثاني : يدل عليه قولا ولا يتأتى فيه تأويل احتمال الغلط في التقويم ، وإن كان مخرج الحديث واحدا ، ففيه من الكلام ما أشرنا إليه الآن ، إلا أنه ههنا قوي ; لأنه لا يجوز للراوي ، إذا كان سمعه لرواية الفعل أن يغيره إلى رواية القول ، فيظهر من هذا أنهما حديثان مختلفا اللفظ ، وإن كان مخرجهما واحدا .

                                        وفي هذا الحديث : دليل على امتناع الشفاعة في الحد بعد بلوغه السلطان ، وفيه تعظيم أمر المحاباة للأشراف في حقوق الله تعالى ولفظة " إنما " ههنا دالة على الحصر ، والظاهر أنه ليس للحصر المطلق مع احتمال ذلك فإن بني إسرائيل كانت فيهم أمور كثيرة تقتضي الإهلاك ، فيحمل ذلك على حصر مخصوص وهو الإهلاك بسبب المحاباة في حدود الله ، فلا ينحصر ذلك في هذا الحد المخصوص ، وقد يستدل بقوله عليه السلام { وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها } على أن ما خرج هذا المخرج ، من الكلام الذي يقتضي تعليق القول بتقدير أمر آخر لا يمنع ، وقد شدد جماعة في مثل هذا . ومراتبه في القبح مختلفة .




                                        الخدمات العلمية