الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في السفر يوم الجمعة

                                                                                                          527 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا أبو معاوية عن الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة فغدا أصحابه فقال أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال ما منعك أن تغدو مع أصحابك فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم قال لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غدوتهم قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه قال علي بن المديني قال يحيى بن سعيد وقال شعبة لم يسمع الحكم من مقسم إلا خمسة أحاديث وعدها شعبة وليس هذا الحديث فيما عد شعبة فكأن هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم وقد اختلف أهل العلم في السفر يوم الجمعة فلم ير بعضهم بأسا بأن يخرج يوم الجمعة في السفر ما لم تحضر الصلاة وقال بعضهم إذا أصبح فلا يخرج حتى يصلي الجمعة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن الحجاج ) هو ابن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة ( عن الحكم ) هو ابن عتيبة أبو محمد بن الكندي الكوفي ، ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس قاله في التقريب ( عن مقسم ) بكسر أوله ابن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ، ويقال نجدة بفتح النون وبدال ، أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث ويقال له : مولى ابن عباس ؛ للزومه له ، صدوق وكان يرسل وما له في البخاري سوى حديث واحد .

                                                                                                          قوله : ( بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن رواحة ) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق والمشاهد بعدها ، إلا الفتح وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا فيها سنة ثمان ، وهو أحد الشعراء المحسنين ، روى عنه ابن عباس وغيره ( في سرية ) بفتح السين وكسر الراء وتشديد التحتية طائفة من الجيش أقصاها أربعمائة ( فوافق ذلك ) أي : زمن البعث ( فغدا أصحابه ) أي : ذهبوا أول النهار ( فقال ) أي : عبد الله بن رواحة في نفسه ونوى أن [ ص: 54 ] يتخلف فيصلي معه -صلى الله عليه وسلم- أو قال لبعض أصحابه ( فضل غدوتهم ) بفتح الغين وضمها أي : فضيلة إسراعهم في ذهابهم إلى الجهاد . قال الطيبي : كان الظاهر أن يقال : غدوتهم أفضل من صلاتك هذه فعدل إلى المذكور مبالغة كأنه قيل : لا يوازيها شيء من الخيرات وذلك أن تأخره ذاك ربما يفوت عليه مصالح كثيرة ، ولذلك ورد : لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها .

                                                                                                          قوله : ( وكأن هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم ) وقال البيهقي : انفرد به الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف انتهى كذا في التلخيص . قلت : وحجاج بن أرطاة مدلس وروى هذا الحديث عن الحكم بالعنعنة .

                                                                                                          قوله : ( فلم ير بعضهم بأسا بأن يخرج يوم الجمعة ما لم تحضر الصلاة ) لحديث الباب لما روى الشافعي عن عمر ، أنه رأى رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول : لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت . فقال له عمر : اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن السفر . وروى سعيد بن منصور عن صالح بن كيسان أن أبا عبيدة بن الجراح سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة . ذكره الحافظ في التلخيص . ولأنه لم يثبت المنع عن السفر يوم الجمعة بحديث صحيح ( وقال بعضهم : إذا أصبح فلا يخرج حتى يصلي الجمعة ) لما ورد في بعض الأحاديث من المنع . قال الحافظ في التلخيص : في الأفراد للدارقطني عن ابن عمر مرفوعا : " من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره " . قال الحافظ : وفيه ابن لهيعة . وفي مقابله ما رواه أبو داود في المراسيل عن [ ص: 55 ] الزهري أنه أراد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له ذلك ، فقال : إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سافر يوم الجمعة .

                                                                                                          ثم ذكر الحافظ أثر عمر وأثر أبي عبيدة المذكورين . وفي اختلاف الأئمة ومن كان من أهل الجمعة وأراد السفر بعد الزوال لم يجز له إلا أن يمكنه صلاة الجمعة في الطريق أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة ، وهل يجوز قبل الزوال : قال إمامنا أبو حنيفة ومالك : يجوز . وللشافعي قولان أصحهما عدم الجواز . قال أحمد : لا يجوز قبل الزوال . لأن وقتها عنده من وقت صلاة العيد إلى آخر وقت الظهر ، قال : إلا أن يكون سفر الجهاد ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية