الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 57 ] الباب الثاني

                                                                                                                في

                                                                                                                أحكام الوصية

                                                                                                                وهي ثلاثة أقسام : لفظية وحسابية ومعنوية .

                                                                                                                القسم الأول : الأحكام اللفظية ، وفي الكتاب : أوصى بعبد من عبيده فماتوا كلهم ، أو بعبد فمات بطلت الوصية . قال غير ابن القاسم : لأن ما مات أو تلف قبل النظر في الثلث كأن الميت لم يتركه ولم يوص بشيء ؛ لأنه لا يقوم ميت ولا على ميت ، وإن أوصى بعشرة من عبيده ولم يعينهم وهم خمسون ، فمات عشرون قبل التقويم عتق عشرة أجزاء من ثلاثين بالسهم خرج ذلك عشرة عددا أم لا ؛ لأن الباقي عبيده ، والميت لا يعتد به ، وإن هلكوا إلا عشرين عتق نصفهم في الثلث ، أو إلا خمسة عشر فثلثاهم ، أو إلا عشرة فجملتهم توفية باللفظ ، وكذلك لو أوصى بعشرة من رقيقه أو إبله . قال صاحب التنبيهات : قوله : يعتق ثلثهم بالسهم وإن خرج أقل من العدد ، هذا أصله ، وراعى في العتق الأول العدد فيما يحمله الثلث ، واختلف هل هو وفاق أو خلاف ، وقوله : إن لم يعيينهم ، يدل على أنه لو عين عتقوا بالحصص عند ضيق الثلث كما قاله محمد . قال صاحب النكت : إذا قال : ثلث رقيقي لفلان أسهم بينهم بالقرعة بخلاف ثلث رقيقي أحرار ؛ لأن فلانا يصير شريكا في كل واحد ، ومن له جزء تابع رجع في معين عند القسمة ، والعتق لا بد أن يكون في جميعهم . قال التونسي : قال عبد الملك : يعتق خمس من بقي من [ ص: 58 ] الخمسين ، وسواء قال : خمسهم أو عشرة منهم ؛ لأنه لما قال ذلك وهو خمسون فقد أراد الشركة فالهالك والباقي على القسمة ، فلا يعتق إلا الخمس ولو لم يبق إلا واحد ، وعلى هذا القول لو تمت وهي غنم له خمس الأولاد وقاله أشهب فيه وفي الغلة ، وابن القاسم يراه قصد إخراج ذلك العدد فلو لم يبق إلا هو أخرجه ، ويلزم عليه إذا خرج بالأجزاء أقل من ذلك العدد أن يكمل العدد ، وقد قاله في كتاب العتق ، قال سحنون : إذا أوصى بعشرة من غنمه ومات وهي ثلاثون وصارت بعد موته بأولادها خمسين ، له خمسها نظرا للتسمية . وقاله أشهب ، وقال أيضا : له من الأولاد مثل ما له من الأمهات ، فيأخذ ثلثها إن حملها الثلث . أو ما حمله الثلث وكأن سحنونا أجاب على مذهب ابن القاسم ، فلما كان لا تكمل إذا انقضت لا يراد إذا زادت . قال : وفي هذا نظر ؛ لأن من وصى بأمة فولدت بعد موت الموصي ، ولدها له إذا حمله الثلث ، فكان يجب أن يسهم في الأمهات فما خرج منها تبعها أولادها ؛ لأن ما أخرجه السهم كان هو الموصى به ، قال ابن يونس : وجه قول ابن القاسم المتقدم : إذا سمى عشرة فقد قصد العدد ، فيكون الورثة شركاء للعبيد أو للموصى له بهم ، فتتعين القرعة وهي تسقط حكم العدد لعدم اتفاق الغنم ، وإذا لم يبق إلا العدد الذي سمى بطلت الشركة ، فلا يضر هلاك البعض ، ولو قال عند موته : أثلاث رقيقي أحرار ، أو أنصافهم ، عتق ذلك في جملة الثلث ، وإلا فما حمله الثلث من كل واحد بالحصص بغير سهم ؛ لأنه عين ذلك ، وقيل : لو قال : أثلاثهم لفلان ، له أثلاثهم بالقرعة ؛ لأنك شريك في كل واحد ، ومن له جزء في رقيق رجع معينا عند القسم بخلاف العتق لاستوائهم في الوصية ، فلا يفضل بعضهم على بعض في العتق ، وفي الوصية لفلان ، العبد حيث وقع رقيقا ، فلا يفرق نصيبه بغير منفعة للعبد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية