الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 446 ] ( 7 ) باب أحكام المياه

الفصل الأول

474 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل فيه " . متفق عليه .

وفى رواية لمسلم قال : " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " . قالوا : كيف يفعل يا أبا هريرة ؟ قال : يتناوله تناولا .

التالي السابق


( 7 ) - باب أحكام المياه

من الطهارة والنجاسة وغيرهما ، وجمع الماء على المياه ، دل على أن همزته منقلبة عن هاء ، وأصل المياه مواه لدلالة جمعه الآخر على الأمواه ، وتصغير الماء على مويه فقلبت الواو ياء ; لانكسار ما قبلها .

الفصل الأول

474 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( " لا يبولن " ) : بالتشديد للتأكيد ( " أحدكم " ) أي : أيها الأمة ( في الماء الدائم ) : أي : الراكد الساكن من دام الشيء سكن ومكث ( " الذي لا يجري " : صفة ثابتة مؤكدة للأولى ، أو صفة كاشفة لها ، وقيل : الذي لا يجري بشيء من تبنة وغيرها ، وفي معنى الجاري الماء الكثير ، وهو العشر في العشر عندنا ، ومقدار قلتين عند من يقول به . ( " ثم يغتسل فيه " ) : الرواية بالرفع ; أي : لا يبل ثم هو يغتسل فيه ، فيغتسل خبر لمبتدأ محذوف عطف الجملة على جملة لا يبولن ، وذكر ابن مالك النحوي أنه يجوز أيضا جزمه عطفا على موضع لا يبولن ، ونصبه بإضمار أن ، وإعطاء ثم حكم واو الجمع ، أما الجزم فظاهر ، وأما النصب فلا يجوز ; لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما ، وهذا لم يقله أحد ، بل البول فيه منهي ، سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا . كذا نقله السيد عن التخريج . قيل : فيه نظر ; لجواز أن يكون مثل قوله تعالى : ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق والواو للجمع ، والمنهي هنا الجمع والإفراد ، بخلاف قولهم : لا تأكل السمك وتشرب اللبن . قاله ميرك . وفيه : أنه لما احتمل احتمالين لا يحمل عليه لفساد المعنى إلا باعتبار أحد الاحتمالين ، مع أن التحقيق أن النصب إنما يفيد منع إفراد أحدهما فيؤخذ من الخارج .

وقال البيضاوي : ثم يغتسل عطف على الصلة ، وترتيب الحكم على ذلك يدل على أن الموجب للمنع أنه يتنجس ، فلا يجوز الاغتسال به ، وتخصيصه بالدائم يفهم منه أن الجاري لا يتنجس إلا بالتغير . قال ابن حجر : وفيه نظر إذ عطف يغتسل على يجري بعيد جدا إذ يصير تقديره : نهى عن البول في الماء الذي لا يجري ، ثم يغتسل فيه ، وهذا فيه ركة في المعنى وإبهام خلاف المراد ; لأنه لا يصير النهي على حقيقته من الحرمة ; إذ المنهي عنه حينئذ الغسل بعد البول لا البول من غير غسل ، وهو خلاف ما حمله عليه الأئمة ، ويلزمه فرض ذلك في ماء قليل راكد ، إذ هو المتأثر بالبول فيه وإن لم يتغير ، والأظهر عنه على ما مر ، وثم بحالها ، فيكون المنهي عنه شيئين : البول فيه مطلقا ، والغسل فيه مطلقا ، وكل من هذين جاء النهي عنه صريحا في مسلم كما يأتي ، والنهي عن كل منهما تارة يكون للتنزيه ، وتارة يكون للتحريم اهـ .

قيل : الظاهر أنه عطف على يبولن ، ويكون ثم مثل الواو في : لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، أو مثل الفاء في قوله تعالى : ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي أي : ولا يكن من أحد البول في الماء الموصوف ، ثم الاغتسال ، فثم استبعادية ، أي : بعيد من العاقل ذلك أي : الجمع بين هذين الأمرين .

فإن قلت : علام تعتمد في نصب يغتسل حتى يتمشى لك هذا المعنى ؟ قلت : إذا قوي المعنى لا يضر الرفع لأنه من باب : أحضر الوغى . كذا ذكره الطيبي ، وقد سبق نقل المغني فاستحضره ، فإن الطالب به يستغني . ( متفق عليه ) .

[ ص: 447 ] ( وفي رواية لمسلم ) : أي : له روايتان : أحدهما متفق عليها ، وثانيهما هذه قاله الطيبي . ( قال : " لا يغتسل " ) : بالجزم ، وقيل : بالرفع ( " أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " ) : هذا النهي إنما يكون في الماء القليل ; لأنه يصير مستعملا باغتسال الجنب ، فحينئذ قد أفسد الماء على الناس ; لأنه لا يصلح للاغتسال والتوضؤ منه بعد ذلك ، كذا ذكره ابن الملك . وقال القاضي : تقييد النهي بالحال يدل على أن المستعمل في غسل الجنابة إذا كان راكدا لا يبقى على ما كان ، وإلا لم يكن للنهي المقيد فائدة ، وذلك إما بزوال الطهارة كما قال أبو حنيفة ، أو بزوال الطهورية كما قال الشافعي اهـ . وكذا هو قول محمد ، وعليه الفتوى ، يعني أن الحديث حجة على مالك ، لكن حجته تأتي في الحديث الآتي ( قالوا : كيف يفعل ) : أي : الجنب ( يا أبا هريرة ؟ قال : يتناوله تناولا ) : أي : يأخذه اغترافا ويغتسل خارجا . قال في شرح السنة : فيه دليل على أن الجنب إن أدخل يده فيه ليتناول الماء لم يتغير حكمه ، وإن أدخل يده فيه ليغسلها من الجنابة تغير حكمه اهـ . وكذا حكمه عندنا ، قال ابن حجر : ويؤخذ من التقييد بالجنب أنه لا يكره الغسل فيه للتنظيف أو للسنة ، كغسل الجمعة . والظاهر أنه غير مراد ; لأن اختلاف العلماء موجود في الأخير ، إذ لنا وجه أن الاستعمال في الغسل غير طهور ; لأن الاستقذار موجود في غسل نحو التنظيف ، فالوجه أن التقييد بالجنب لكونه أغلظ .




الخدمات العلمية