الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون عطفت جملة : وما كان جواب قومه على جملة : قال لقومه . والتقدير : وإذ ما كان جواب قومه إلا أن قالوا إلخ ، والمعنى : أنهم أفحموا عن ترويج شنعتهم والمجادلة في شأنها ، وابتدروا بالتآمر على إخراج لوط - عليه السلام - وأهله من القرية ، لأن لوطا - عليه السلام - كان غريبا بينهم وقد أرادوا الاستراحة من إنكاره عليهم ، شأن من يشعرون بفساد حالهم ، الممنوعين بشهواتهم عن الإقلاع عن سيئاتهم ، المصممين على مداومة ذنوبهم ، فإن صدورهم تضيق عن تحمل الموعظة ، وأسماعهم تصم لقبولها ، ولم يزل من شأن المنغمسين في الهوى تجهم حلول من لا يشاركهم بينهم .

[ ص: 235 ] والجواب : الكلام الذي يقابل به كلام آخر : تقريرا ، أو ردا ، أو جزاء .

وانتصب قوله ( جواب ) على أنه خبر ( كان ) مقدم على اسمها الواقع بعد أداة الاستثناء المفرغ ، وهذا هو الاستعمال الفصيح في مثل هذا التركيب ، إذا كان أحد معمولي كان مصدرا منسبكا من أن والفعل كما تقدم في سورة آل عمران وسورة الأنعام ، ولذلك أجمعت القراءات المشهورة على نصب المعمول الأول .

والضمير المنصوب في قوله : أخرجوهم عائد على محذوف علم من السياق ، وهم لوط - عليه السلام - وأهله : وهم زوجه وابنتاه .

وجملة : إنهم أناس يتطهرون علة للأمر بالإخراج ، وذلك شأن إن إذا جاءت في مقام لا شك فيه ولا إنكار ، بل كانت لمجرد الاهتمام فإنها تفيد مفاد فاء التفريع وتدل على الربط والتعليل .

والتطهر تكلف الطهارة . وحقيقتها النظافة ، وتطلق الطهارة - مجازا - على تزكية النفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا ، وتلك صفة كمال ، لكن القوم لما تمردوا على الفسوق كانوا يعدون الكمال منافرا لطباعهم ، فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال ، ويذمون ما لهم من الكمالات فيسمونها ثقلا ، ولذا وصفوا تنزه لوط - عليه السلام - وآله تطهرا ، بصيغة التكلف والتصنع ، ويجوز أن يكون حكاية لما في كلامهم من التهكم بلوط - عليه السلام - وآله ، وهذا من قلب الحقائق لأجل مشايعة العوائد الذميمة ، وأهل المجون والانخلاع ، يسمون المتعفف عن سيرتهم بالتائب أو نحو ذلك ، فقولهم ( إنهم أناس يتطهرون ) قصدوا به ذمهم .

وهم قد علموا هذا التطهر من خلق لوط - عليه السلام - وأهله لأنهم عاشروهم ، ورأوا سيرتهم ، ولذلك جيء بالخبر جملة فعلية مضارعية لدلالتها على أن التطهر متكرر منهم ، ومتجدد ، وذلك أدعى لمنافرتهم طباعهم [ ص: 236 ] والغضب عليهم وتجهم إنكار لوط - عليه السلام - عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية